فيما بدا نهاية لزمن صواريخ الكاتيشا.. بات العراق في مفترق طرق مع رسائل حملتها مسيرات إيرانية خلال هجمات شنتها مليشيات موالية لطهران.

واعتادت الفصائل المسلحة التي تتلقى أوامرها من طهران مهاجمة مصالح الولايات المتحدة وبعثات الدول الأجنبية عبر صواريخ وعبوات ناسفة محلية الصنع، طيلة الفترات الماضية وخصوصا ما بعد حادثة اغتيال قاسم سليماني عند مطار بغداد مطلع العام الماضي.

وغالبا ما يرتبط انخفاض أو ارتفاع حدة تلك الهجمات التي تستهدف المقار الأجنبية في العراق بمستوى الصراع الدائر بين واشنطن وطهران، بشأن ملفات عدة من أهمها الملف النووي وتوازن القوى في المنطقة.

ورغم التحذيرات التي تطلقها إدارة البيت البيض من مغبة تلك الهجمات التي تلاحق رعاياها ومصالحها في العراق، إلا أن المليشيات في العراق غالباً ما تدير الظهر إلى تلك التصريحات وتواصل إطلاق صواريخ الكاتيوشا واعتراض أرتال التحالف الدولي بالمتفجرات.

إلا أن ظهور الطائرات المسيرة في تنفيذ هجمات تستهدف مصالح واشنطن في العراق والقواعد العسكرية التي تضم خبراء وعناصر تدريب، يؤشر إلى مرحلة جديدة من الصراع وتطور في التكتيك المتبع لشن تلك الاعتداءات كما تصفها حكومة بغداد.

ففي ساعة متأخرة من ليل السبت- الأحد، استهدفت طائرتان مسيرتان قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غرب العراق، في هجوم هو الثاني من نوعه خلال شهرين، قبل أن تسقطهما الدفاعات الجوية العراقية دون تحقيق الهدف المقصود من تلك الهجمات.

و "عين الأسد"، وهي قاعدة جوية عسكرية انشأت مطاع ثمانينات القرن الماضي، تستضيف خبراء ومختصين من قوات التحالف الدولي في مجل صيانة وتدريب القوات العراقية على طائرات "أف 16".

وفي الـ8 من مايو/ أيار الماضي، هاجمت طائرة مسيرة تحمل مقذوفات متفجرة "عين الأسد"، ولكن لم تسفر عن وقوع أي أصابات بشرية أو عسكرية.

وبعد 3 أيام، وقوع هجوم مشابه بطائرة مسيرة استهدف قاعدة حرير العسكرية، في أربيل، تستخدمه قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأمريكية ولكن لم يسفر عن وقوع ضحايا أيضاً.

إلا أن أول هجوم ينفذ بطائرة مسيرة ضد أهداف للقوات الأمريكية في العراق كان قد سبق استهداف "حرير" بنحو شهر، عندما أغارت طائرة مسيرة تحمل مادة (تي إن تي) شديدة الانفجار على مقر لقوات التحالف عند مطار أربيل، في إقليم كردستان.

يقول الخبير الأمني طه الدفاعي، أن استخدام طائرات "درونز"، في استهداف مصالح واشنطن والتحالف الدولي في العراق، قد يجر البلاد إلى مناطق صراع مدمرة لا يمكن العودة منها دون خسائر فادحة على مستوى المؤسسة والدولة.

ويحذر الدفاعي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، من تطور الأساليب في تنفيذ تلك الهجمات لكونها تفتح أبواب المواجهة على مصراعيها دون التقييد بقواعد معينة مما يعطي التخويل للقوات الامريكية باللجوء إلى وسائل ردع قاسية التأثير والأثر بالشكل الذي تتوزع فيه النيران على الجميع، سواء مليشيات أو مواطنين أبرياء".

وبشأن نوع الطائرات المستخدمة وإمكانية التصدي لتلك الهجمات، يشير الدفاعي إلى أن "هكذا أنواع ممكن ردعها من قبل الدفاعات الجوية العراقية ولكن ذلك لا يكفي.. نحتاج إلى إحكام السيطرة على الأجواء وألا نبقى بموقع ردة الفعل وليس صناع".

وقبل أيام أنهت قوة أمريكية مهام تدريب لقطعات عراقية عسكرية تضمنت التعامل مع الطائرات المسيرة والطرق التقنية والفنية لتعطيل مهامها الهجومية.

وفي أواخر الشهر الماضي، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" نقلاً عن مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين أمريكان، بأن الفصائل المسلحة المناهضة للتواجد العسكري للولايات المتحدة في العراق تنتقل في بعض الحالات من هجمات صاروخية إلى استخدام طائرات مسيرة صغيرة تحلق على ارتفاعات منخفضة ما يمنع المنظومات الدفاعية من رصدها.

وبحسب تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، أمس السبت، أكد ثلاثة مسؤولين أمريكيين للصحيفة العثور على أجزاء من حطام لطائرات مسيرة هاجمت أربيل وقاعد الحرير وقد كشف التحليل الأولي أنها "إيرانية الصنع أو تعتمد على تكنولوجيات منتجة في إيران".

وأوضح المسؤولون أن هذه الطائرات المسيرة تتجاوز من حيث الحجم "درونز" مدنية عادية، لكنها أقل من "ريبر"، مشيرين إلى أن تلك الطائرات الجديدة تستطيع، حسب المحللين العسكريين، نقل ما بين 10 و60 رطلا (4.5-27 كيلوغراما) من المتفجرات.

وفي هذا الصدد، يشير مصدر عسكري قريب من العمليات المشتركة العراقية، أن "المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدينا تؤكد ان الهجمات التي تنفذ بطائرات درون ستزداد مستقبلاً"، مشيراً إلى أن "مهاجمة القوات الأجنبية في العراق في طريقها للانتقال من منصات الصواريخ إلى الطائرات المفخخة".

مع دخول طائرة "الدرون"، على خطة المواجهة بين طهران وواشنطن تطفو على السطح مخاوف في الأوساط العامة، من مساع إيرانية لنقل تجربة مليشيا الحوثيين في اليمن إلى العراق، وتداعيات ذلك الموقف وانعكاساته على طابع الدولة ومحاولات بسط القانون وعزل قوى اللا دولة عن القرار السيادي والوطني.

وتتبنى فصائل ومليشيات مسلحة عراقية قريبة من طهران، بمهاجمة أماكن تواجد القوات الأمريكية والتحالف الدولي عبر سلسلة من الاستهدافات شبه المستمرة منذ أكثر من عام.

إلا أن المحلل السياسي نجم القصاب، يستبعد أن يكون العراق ساحة مشابهة ونسخة مكررة لما يحدث في اليمن، كون كلا البلدين لهما بيئة سياسية مختلفة وإن تقاربا في بعض المواضع والاضطرابات.

ويوضح القصاب في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "العراق بلد متنوع الأعراق والديانات والمذاهب مما حدى بأن تتوزع موازين القوى السياسية والاجتماعية بين أطراف عدة وهذا لن يسمح بأن تتحول تلك المليشيات إلى نسخة حوثية تتصرف كيف ما تشاء وتستهدف ما تريد".

ويستطرد قائلاً: "الهجمات الاخيرة التي تعرضت لها قاعدة عين الأسد وما سبقها بساعات من هجوم صاروخي الذي استهدف مطار بغداد، يأتي لنزع حالة الاستقرار النسبي التي سادت العراق خلال الشهور القليلة في محاولة من تلك الفصائل فرض إرادتها بقوة السلاح وتحقيق مكاسب سياسية وربما اقتصادية".

وقبل ساعات من الهجوم "المسير" في "عين الأسد"، غرب بغداد، استهدف هجوم صاروخي آخر مطار بغداد ولكنه لم يسفر عن ضحايا أو أضرار"، بحسب الناطق باسم التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين بقيادة الولايات المتحدة، الكولونيل واين ماروتو.

في المقابل، يقول الخبير الاستراتيجي، محمد لطيف، إن "الهجومين الأخيرين ليل أمس واليوم الأحد، لا ينفصلان عن الأحداث التي شهدها العراق خلال الأسبوع الماضي عقب اغتيال القيادي البارز في مليشيا الحشد الشعبي قاسم مصلح.

ويؤكد لطيف، أن "مليشيا الحشد تحاول الضغط على مصادر القرار العراقي وكذلك الخارجي بإظهار قوتها عبر المسيرات المفخخة بغية أطلاق سراح مصلح".

واعتقلت قوة أمنية فجر الأربعاء الماضي، قائد عمليات الأنبار في مليشيا الحشد الشعبي، قاسم مصبح، مما تسبب بموجة غضب كبير لدى الفصائل المسلحة التي اقتحمت المنطقة الرئاسية وسط بغداد وتوعدت بتصعيد المواجهة مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والقوات الأجنبية في العراق.