الحرةماذا قدّمت قمّة جنيف بين بايدن وبوتين للعلاقات الأميركية الروسية؟ وهل كان توقيتها مُبكراً جداً وغير ناضج سياسياً؟

مناظرة قناة الحرّة عبر برنامج "عاصمة القرار" غاصت في هذا الموضوع مع نايل غاردينر، مدير "مؤسسة هيريتدج" الأميركية في واشنطن. وبول سوندرز، كبير باحثين في "مركز المصلحة الوطنية" في واشنطن. كما شارك من موسكو الدبلوماسي الروسي السابق فياتشيسلاف ماتوزوف.

هل يمكن لبايدن ضبط العلاقات بين أميركا وروسيا؟

يقول نايل غاردينر إن " قرار بايدن بالموافقة على عقد قمة مع بوتين كان سيئاً جداً. فالرئيس الأميركي أخطأ بعقد هذه القمة" التي "سمحت لبوتين بالظهور وكأنه مساوٍ للرئيس الأميركي". لكن بول سوندرز يعتقد أن قرار بايدن بعقد القمّة مع بوتين" كان قراراً صائباً"، فاستعمال الدبلوماسية مع روسيا أمر ضروري، رغم "قلّة فرص التعاون بين البلدين، والتصادم بينهما في مواضيع عديدة". فياتشيسلاف ماتوزوف يعتقد أن عقد القمّة "انجاز بحدّ ذاته، وخطوة إيجابية" للعلاقات الثنائية بين البلدين وضرورية للعلاقات الدولية.

واشنطن – موسكو.. نحو علاقات "مستقرة"؟

لا يتوقع بول سوندرز أن تُغيّر قمّة جنيف تصرفات بوتين، خاصة على المدى المنظور. لكن ما بدأته إدارة بايدن هو"تفعيل الدبلوماسية المباشرة مع روسيا، دون التعويل على مستوى الثقة الأميركية ببوتين، وهي متدنية جداً . "فالأمر يتعلق بـ " تجنب أي تصعيد حاد في المواجهة بين البلدين" برأيه. نايل غاردينر يقول "إن لا فائدة من قمة مع روسيا ما دام بوتين في السلطة". ويضيف بأنه "لا يمكن لواشنطن أن تتصرف بشكل منطقي مع هذا الدكتاتور الروسي، بل على إدارة بايدن مواجهة بوتبن وإضعافه لدرء أخطاره" عن أميركا.

انتقد السِناتور الجمهوري بن ساس بايدن على قبوله عقد قمة مع بوتين، قائلاً: نحن نكافئ بوتين بعقد قمة معه، وبدلاً من معاملته كمجرم يُرعب الشعب الروسي، نشرّع أفعاله عبر عقد قمة معه. فيما أثنى خمسة عشر نائباً ديمقراطياً، على قرار الرئيس الأميركي بلقاء الرئيس الروسي. وذلك "لخلق علاقة مستقرة وقابلة للتنبؤ مع روسيا دعماً للاستقرار الاستراتيجي في أوروبا والعالم"، كما جاء في رسالة النواب لبايدن.

من جهته قال بايدن بعد القمّة: لقد قمت بما جئت للقيام به؛ أولا، تحديد مجالات العمل التي يمكن من خلالها لبلدينا خدمة مصالحهما المشتركة وخدمة العالم. ثانيا، أن نقول بشكل مباشر إن الولايات المتحدة سترد على أي عمل يقوض مصالحنا الحيوية ومصالح حلفائنا. ثالثا، عرض أولويات بلدنا وقيمنا بشكل واضح بحيث يسمع بوتين ذلك مني مباشرة.

بعد خطوط بايدن الحمراء.. هل يغير بوتين سلوكه؟

خصص الرئيس الأميركي جزءا كبيراً من الوقت في الحديث مع الرئيس الروسي عن مسألة الأمن السيبراني، لا سيما هجمات الفدية الخبيثة، التي يشنّها قراصنة روس، على مؤسسات أميركية عامة وخاصة. هذه الأولوية الأميركية يعتبرها بايدن "خطاً أحمراً لأي هجوم". بايدن أبلغ ذلك لبوتين بشكل واضح ومباشر وسلّمه "لائحة بستة عشر قطاعاً من قطاعات البنية التحتية الأميركية الحيوية، من قطاع الطاقة إلى شبكة المياه". لن تتسامح أميركا مطلقاً مع أي اعتداء عليها. يشدد بول سوندرز أنه على الإدارة الأميركية أن "تكون صارمة في التصرّف والردّ عندما تتخطى روسيا الخط الأحمر" الذي رسمه بايدن لبوتين قي قمة جنيف. ويضيف بأن على الإدارة الأميركية "عدم السماح بتكرار خطأ إدارة أوباما بعدم احترام الخط الأحمر الذي وضعته" (في سوريا). فيما لا يتوقع نايل غاردينر أن يغير الرئيس الروسي سلوكه، لأن بوتين "لا يفهم سوى لغة القوّة والحزم، بما في ذلك العقوبات والمواجهة والحشد العسكري كي يفهم بوتين أن سلوكه غير مقبول" أميركياً.

السناتور الجمهوري ماركو روبيو حث الرئيس بايدن على "فرض عقوبات على المسؤولين الروس الذي يقومون بتمكين الهجمات السيبرانية، وتوقيف المجرمين السيبرانيين، الذين ينتهكون القانون الأميركي".

أيُّ دور إيجابي لبوتين في إيران وسوريا؟

يتفق الخبيران الأميركيان غاردينروسوندرز على عدم جدوى البحث عن دعم روسي لأميركا في التعامل مع النظام الإيراني، لا سيما في مسألة احياء الاتفاق النووي. لأن روسيا " لن تضغط على النظام الإيراني للتنازل" في الشأن النووي، حسب تعبير بول سوندرز. فيما يعتبر نايل غاردينر أن احتمال تعويل بايدن على مساعدة بوتين في الملف النووي الإيراني هو "خطأ أميركي كبير يُعطي نفوذاً لروسيا دون أن يفيد أميركا بشيء".

في الشأن السوري، قال الرئيس بايدن إنه شدد لبوتين على "الحاجة المُلحة للحفاظ على، وإعادة فتح ممرات إنسانية في سوريا، لنتمكن من إيصال الغذاء والحاجات الأساسية للسكان الذين يموتون جوعاً".

يعتقد الخبير الروسي فياتشيسلاف ماتوزوف أن اتفاق بايدن وبوتين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا "يسهل التواصل بين البلدين حول كل القضايا بما في ذلك الأزمة السورية". فبوتين – برأي ماتوزوف- مستعد لمناقشة "أي موضوع يهم الولايات المتحدة بكل حرّية".

من الأكثر تشددا تجاه بوتين.. بايدن أم ترامب؟

يجادل السفير الأميركي السابق في روسيا مايكل ماكفول، أنه "على خلاف سلفه ترامب الذي أمضى أربع سنوات يغازل بوتين، رسم بايدن معالم سياسة براغماتية تجاه روسيا، مبنية على التعاون والاحتواء والردع والعقاب متى دعت الحاجة". لا يوافق نايل غاردينر على أن ترامب كان مهادناً لبوتين، فالرئيس الأميركي السابق كان " سخياً في الكلام عن بوتين لكن السياسة والعقوبات على روسيا كانت صارمة في عهده". بينما يعتبر بول ساوندرز أن "تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016 جعل العلاقة مع موسكو مشكلة داخلية وحزبية" أميركية. من جهته، قال النائب الديمقراطي آدم شيف إن الوقت قد حان من أجل "تبني نبرة جديدة في علاقتنا مع روسيا. أميركا عادت مجدداً قوة راسخة من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية حول العالم. ولت أيام التغاضي عن انتهاكات بوتين العديدة".

يجادل وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو أن "إدارة ترامب كانت الأكثر تشددا ضد روسيا منذ نهاية الحرب الباردة". لكن بايدن برأي بومبيو "غير مستعد لمواجهة روسيا". فيما تقول هيلاري كلينتون إن بايدن "سيعيد ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بعد أن شجّع ترامب بوتين".

قدمت قمة جنيف نموذجاً عن مقاربة بايدن لبوتين وروسيا، ويبقى على الإدارة الأميركية أن تحوّل التطلعات إلى أفعال لتحقيق المصالح الأميركية. وعلى بوتين أن يقتنع بأن عودة العلاقات إلى طبيعتها مع الولايات المتحدة يتطلب تغييراً في السياسات والسلوك الروسي تجاه أميركا.