سكاي نيوز عربية
تزامنت هجمات تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق مع تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن بأن بلاده ستنهي بحلول نهاية العام الجاري مهامها القتالية في العراق، وهو ما أثار تساؤلات عن مستقبل وجود واشنطن في سوريا والعراق، خاصة مع إصرار إيران وروسيا على تقوية نفوذهما هناك، إضافة لعودة قوة داعش.

ويرى خبراء سياسيون في تعليقاتهم لـموقع "سكاي نيوز عربية" أن عودة نشاط داعش يتطلب استراتيجية أميركية جديدة.

وتشير توقعات الخبراء إلى أن أميركا، ستعيد توزيع قواتها ضمن صراعها الجيوسياسي مع روسيا والصين وإيران، بما يحفظ بقاءها في سوريا والعراق في شكل "الحليف" و"مهام تدريب"، لحفظ التوازن مع منافسيها الدوليين من ناحية، وتقديم الدعم لحلفائها مثل الحكومة العراقية والأكراد في الحرب ضد داعش من ناحية أخرى، ما يفيدها أيضا في تقليل خسائرها المادية والبشرية.

وسبق أن حذر فريق "مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة"، الأسبوع الماضي، من انتكاسات في العراق وسوريا حال الانسحاب الأميركي مع بقاء داعش، مستدلا بمعلومات عن تطور عمل التنظيم المرتكز على نقاط الضعف الأمني في البلدين، ما يسمح له بشن هجمات والاختباء في ملاذات آمنة.

وعلى مدار اليومين الماضيين، شهد العراق هجمات لداعش قتلت 19 شخصا وجرحت 23 في بعقوبة والأنبار وصلاح الدين، ما دفع الجيش العراقي لتمشيط الوديان حيث تتواجد بقايا التنظيم الذي هاجم أيضا مواقع عسكرية في الرقة شمالي سوريا الشهر الماضي.

تكتيك جديد

"لا خروج كامل ولا بقاء كثيف" بهذه العبارة يشرح الخبير الاستراتيجي، العميد سمير راغب، خطة الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا، ويقول: "تحتفظ أميركا بقوات محدودة في البلدين لمهام تنسيقية وتدريبية من الموجهين الجويين وقوات تأمينية للقوات الاستخبارية والعسكرية الباقية لدعم العمليات ضد داعش في البادية السورية وصحراء الأنبار غربي العراق ونينوى شمالا".

وعن استراتيجيتها ضد داعش، أضاف راغب لـموقع "سكاي نيوز عربية" أن أميركا ستركز في محاربة الإرهاب على قاعدتها العسكرية عند معبر التنف جنوب شرق سوريا، نظرا لوجودها عند مثلث الحدود الخطير بين الأردن وسوريا والعراق، وقربها من مدينة البوكمال في دير الزور بسوريا ومناطق الأنبار العراقية، إضافة إلى أن الأردن حليف لأميركا في الحرب ضد داعش، ما يزيد من أهمية القاعدة.

ولفت راغب إلى أن الاتجاه إلى التنف هدفه كذلك خفض تكلفة الحرب التي قدرت بـ 1.7 تريليون دولار، وتقليل عدد الجرحى الأميركيين، لاحتفاظ الأردن بقدر كبير من الاستقرار، وإثبات بايدن أمام العالم التزامه بفك الارتباط بشأن بقاء قواته في سوريا والعراق.

وخلص الحوار الاستراتيجي بين بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في واشنطن الأسبوع الماضي، إلى الاتفاق على التعاون ضد الإرهاب، مع مواصلة تقديم أميركا المساعدة بالتدريب، علما أنه حاليا يتواجد 2500 جندي أميركي بالعراق.

بينما تحدثت وسائل إعلام أميركية عن نية بايدن للإبقاء على 900 جندي في سوريا لتقديم العون لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" ذات الأغلبية الكردية في سوريا دون المشاركة في قتال، وتوجيه ضربات لتأمين حقول النفط شمال شرقي البلاد، ومنع إنشاء ممر إيراني بري يربط ما بين طهران والبحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا ولبنان.

التدخل حسب الطلب

"التدخل وفقا للحاجة الضرورية أو الطلب" هكذا يصف الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أحمد سلطان، عند وصفه لسياسة أميركا المقبلة، مدللا على أن السبب وراء هذا يتعلق بإدراكها أهمية تقليل الانخراط في المنطقة، والبحث عن وكيل لاستكمال المهمة، خاصة وأن خسائرها في أفغانستان والعراق وسوريا جعلتها تستوعب أن الدول الكبرى لا يجب لها الانغماس بهذا الشكل، وأن التدخل لا ينهي وجود التنظيمات الإرهابية نهائيا، مع تعرض قواتها لتهديدات من الفصائل الموالية لإيران.

وأكد سلطان لـموقع "سكاي نيوز عربية" أن هذا التكتيك يرتبط بالحفاظ على مصالحها بإعادة توزيع القوات ضمن صراع جيوسياسي مع روسيا والصين وإيران، وبما يضمن تأمين العمليات العسكرية التي يشنها حلفاؤها ضد داعش، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا، والجيش العراقي في بلاده.

ويشير أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي، إلى أن الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والعراق تطرق إلى إعادة تموضع القوات الأميركية في العراق وسوريا والحدود المشتركة مع الأردن، لاسيما مع استمرار هجمات الميليشيات الموالية لإيران ضد المنشآت والقوات الأميركية.

وأضاف فهمي في حديث لـموقع "سكاي نيوز عربية": "وجه الرئيس الأميركي رسالتين، الأولى إلى إيران وهي استمرار أميركا في العراق وحماية حدودها مع سوريا، والثانية إلى داعش بشن الغارات الجوية".

وعن المشهد السوري، يقول فهمي إن البقاء الأميركي العسكري في سوريا يظل هو الأرجح، ويظهر هذا في إدخال أميركا معدات وذخائر وجنود عبر 75 شاحنة عسكرية من معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراقي، لتعزيز وجودها في قاعدة الشدادي بريف الحسكة شمال شرقي سوريا، حيث تمتلك 25 تمركزا عسكريا في ريف الحسكة ودير الزور.

ويجمع المراقبون على أن تربص إيران بالمنطقة لا يتيح لأميركا الانسحاب الحقيقي، إضافة إلى أن الوجود الأميركي ضرورة لحفظ مصالح واشنطن في ظل سيطرة روسيا على قاعدة حميمم وميناء طرطوس بسوريا، ما يجعل كلفة المغادرة أثقل بكثير من كلفة البقاء.