يقال إن العلاقات الدولية يصنعها الدبلوماسي والعسكري، لكن بعض الحالات تظهر أن هذه التراتبية ليست ثابتة، فيحدث أن تصنع التحركات العسكرية العلاقات بين الدول ثم يوثقها الدبلوماسيون. ففي مثال حاضر تقود العسكرية الروسية سياسة الكرملين بدل أن تنقاد لها في تبادل أدوار واضح في سوريا، فقد استطاعت روسيا أن تفرض نفسها بعد تدخلها العسكري المكثف على أنها الفاعل الأول سياسياً بسوريا، وراسم المسار التفاوضي في جنيف وأستانا بكازاخستان. ومن ذلك أيضاً تنامي القدرات العسكرية لحلف شمال الأطلسي، واستخدام «الناتو» لعسكره خارج الحدود السياسية للدول الأوروبية التي تمثل العدد الأكبر من أعضاء الحلف غير كندا وأمريكا. فحلف الناتو الذي قام في 1949 ليس إلا هيكل عسكري بالدرجة الأولى بغطاء سياسي. وقد اتفق الأعضاء على أن الهجوم المسلح على أي منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية سيعتبر هجوما ضدهم جميعاً، ولم يذكروا التحديات السياسية بل العسكرية. ثم تعرض الاتحاد الأوروبي لهزة خروج بريطانيا لكن وجودها في حلف «الناتو» بقي خارج حسابات «بريكست» المصلحية. وفي نسق مشابه نشأت قوات درع الجزيرة المشتركة كقوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي في 1982 لحماية دول مجلس التعاون وردع أي عدوان عسكري، لكن السياسة والاقتصاد غطت على نشاط قوات درع الجزيرة. ولم يسبق أن حضرت مؤتمراً إلا وصب المشاركون جام غضبهم على التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون وذريعتهم أنه لم يحقق أهدافه بدليل علو صوت إيران فوق أمواج الخليج وصداه في جبال اليمن، وفي ذلك تجاوز صارخ لحقيقة أن التعاون العسكري الخليجي هو جوهرة التاج في العلاقات الخليجية، لكن الطبيعة السرية للأعمال العسكرية تجعل الإنجازات أقل ظهوراً للناس وتشمل توحيد كل شيء من الذخائر التي يتم تبادلها في الميدان الى كراسات التعليم العسكري مروراً بمركز توجيه المقاتلات إلى الربط الراداي الموحد. والتعاون العسكري بين الدول ضرورة وتعاون حتمي يتجاوز الخلافات السياسية، والمنافسات الاقتصادية فنحن بحاجة لقوة درع الجزيرة لتعيد الأمور إلى نصابها كما فعلت في البحرين، وللتعاون العسكري الخليجي لإعادة الشرعية في جوارنا الإقليمي كما فعلت في اليمن وبددت حلم قيام جمهورية الحوثيين الإسلامية.

* بالعجمي الفصيح:

سيكون التعاون العسكري جسر المصالحة الخليجية، فالعسكري الخليج لم يمثل يوماً دور المذل لمواطنيه حتى يمثل تهديداً لإخوانه. ومما يثلج الصدر أن وفوداً عسكرية من «كل دول الخليج الست» قامت قبل أسبوع في الرياض بالتحضير لتمرين عسكري كبير سيقام في الربيع القادم، كما حدثني صديق أن ابنه مشارك في دورة عسكرية تضم عسكريين من «كل دول الخليج الست». فالتعاون عبر قوات درع الجزيرة ضرورة خليجية لتطبيق الأمن الجماعي، وضرورة إقليمية لكونه أقوى كتلة مسلحة غربياً خارج «الناتو»، وضرورة دولية لأن يمثل الدرع الصاروخي الخليجي والتكامل الاستراتيجي الذي تعول عليه واشنطن.

* المدير التنفيذي لمجموع مراقبة الخليج