قصَّ اللهُ سبحانه في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أنباء الرسل السابقين ما يثبت فؤاده، ويقويه على القيام بأعباء الدعوة إلى التوحيد، ومن هؤلاء الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد بين الله في كتابه أن المسلمين هم أولى الناس بإبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {إِنَّ أَوْلى الناسِ بإِبرَاهيمَ للذِينَ اتبعوهُ وَهذَا النبيُّ وَالذِينَ آمنوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمؤْمنينَ}، جعله الله إماما لمن بعده، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتلى إِبْرَاهيمَ رَبهُ بكلماتٍ فأَتمهنَّ قالَ إِني جاعلكَ للناسِ إِماماً}، وأمرنا الله سبحانه باتباعه والاقتداء به، فقال تعالى: {ثمَّ أَوْحينا إِليكَ أَنِ اتبعْ ملةَ إِبرَاهيمَ حنيفا وَما كانَ منَ الْمشرِكينَ}، وبين سبحانه أن الرغبة عن ملة إبراهيم علامة على السفه، فقال تعالى: {وَمنْ يرْغبُ عنْ ملةِ إِبرَاهيمَ إِلا منْ سفهَ نفسهُ}.

وبين أن المهتدي هو من سار على طريقته ودينه المستقيم، قال تعالى: {قُلْ إِنني هدَاني رَبي إِلى صرَاطٍ مسْتقيمٍ دِيناً قيماً ملةَ إِبرَاهيمَ حنيفاً وَما كانَ منَ الْمشرِكينَ} وقال تعالى: {وَقالوا كونوا هودًا أَوْ نصارَى تهتدُوا قلْ بلْ ملةَ إِبرَاهيمَ حنيفاً وَما كانَ منَ الْمشرِكينَ}.

ودين إبراهيم عليه السلام هو الإسلام، كما قال تعالى: {ما كانَ إِبرَاهيمُ يهودِياً وَلا نصرَانياً وَلكنْ كانَ حنيفاً مسلماً وَما كانَ منَ المشرِكينَ} وقال تعالى: {وَوَصى بها إِبرَاهيمُ بنيهِ وَيعقوبُ يا بنيَّ إِنَّ اللَّهَ اصطفى لكمُ الدِّينَ فلا تموتنَّ إِلا وَأَنتمْ مسلمونَ}، كان دينه الاستسلام لله بالتوحيد وإفراد الله بالعبادة، والبراءة من لشرك وأهله، قال تعالى: {وَإِذْ قالَ إِبرَاهيمُ لأَبيهِ وَقوْمهِ إِنني برَاءٌ مما تعبدُونَ (26) إِلا الذِي فطرَني فإِنهُ سيهدِينِ}، ومع إمامة الخليل عليه السلام وفضله وتكسيره الأصنام بيده، فقد كان يدعو الله سبحانه بالمعافاة من الشرك، قال تعالى: {وَإِذْ قالَ إِبرَاهيمُ رَبِّ اجعلْ هذَا البلدَ آمنا وَاجنبني وَبنيَّ أَنْ نعبدَ الأَصنامَ (35) رَبِّ إِنهنَّ أَضللنَ كثيرًا منَ الناسِ فمنْ تبعني فإِنهُ مني وَمنْ عصانِي فإِنكَ غفورٌ رَحيمٌ}، فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم الخليل عليه السلام؟!



وقد قص الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه مناظرة إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه في التوحيد، وكيف استدل على بطلان عبادة سوى الله سبحانه بحجة عظيمة وهي تحقيق الفارق بين المخلوق والخالق سبحانه وتعالى {وَتلْكَ حجتنا آتيْناها إِبرَاهيمَ على قوْمهِ نرْفعُ دَرَجاتٍ منْ نشاءُ إِنَّ رَبكَ حكيمٌ عليمٌ}، بين الخليل عليه السلام أن العبادة لا يستحقها إلا الله الخالق المدبر المحيي المميت الحي القيوم، وأن ما سواه إلى أفول وزوال، قال تعالى: {وَكذَلكَ نرِي إِبرَاهيمَ ملكوتَ السماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَليكونَ منَ الْموقنينَ (75) فلما جنَّ عليهِ الليلُ رَأَى كوْكبا قالَ هذَا رَبي فلما أَفلَ قالَ لا أُحبُّ الْآفلينَ (76) فلما رَأَى القمرَ بازِغا قالَ هذَا رَبي فلما أَفلَ قالَ لئنْ لمْ يهدِني رَبي لأَكوننَّ منَ القوْمِ الضالينَ (77) فلما رَأَى الشمسَ بازِغةً قالَ هذَا رَبي هذَا أَكبرُ فلما أَفلتْ قالَ يا قوْمِ إِني برِيءٌ مما تشرِكونَ (78) إِني وَجهتُ وَجهيَ للذِي فطرَ السماوَاتِ وَالأَرْضَ حنيفا وَما أَنا منَ الْمشرِكينَ}

وبين كذلك، أن جميع المخلوقات عاجزة فقيرة إلى الله، لا تملك لنفسها - فضلا عن غيرها- نفعا ولا ضرا {قَالَ أَفتعبدُونَ منْ دُونِ اللَّهِ ما لا ينفعكمْ شيئا وَلا يضُرُّكمْ (66) أُفٍّ لكمْ وَلما تعبدُونَ منْ دُونِ اللَّهِ أَفلا تعقلونَ}، ولما غضب عليه قومه لتكسيره الأصنام وبيان عجزها وأرادوا أن يحرقوه، لم يزده ذلك إلا إيمانا ويقينا وتسليما، وقال حسبنا الله ونعم الوكيل؛ فجعلها الله سبحانه بردا وسلاما عليه. فصلوات الله وسلامه على إبراهيم الخليل، وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

الأوقاف السنية