ياسمينا صلاح




عملت 20 عاماً في التقديم التلفزيوني

إيمان مرهون.. إعلامية بالفطرة عشقها للعمل الإعلامي جعلها تبدع فيه بتقديم البرامج التلفزيونية لمدة 20 عاماً متواصلة، وأثبتت كفاءتها من خلال تقديم العديد من البرامج السياسية والشبابية الناجحة، عاشت 21 عاماً خارج البحرين لظروف عمل والدها، ثم عادت بعد انتهاء دراستها الجامعية في مصر إلى البحرين لتجتهد وتثابر وتشق طريقها في مجال الإعلام حتى وصلت إلى ما تريد.


«الوطن» التقت إيمان مرهون في حوار سردت فيه مسيرتها، مشيرة إلى أنها تفتخر بأنها أول من قدمت برامج للشباب واستضافتهم على الهواء للتعبير عن آرائهم وقضاياهم.

وقالت إن «مهنة الإعلام تعتمد على الكاريزما وعلمتني أن أكون اجتماعية»، مشيرة إلى أن تقديم البرامج السياسية عزز لديها حب الاطلاع، بينما تجربتها بتقديم البرامج الفنية والمسابقات لم تكن ناجحة. وشددت على أن العمل بمجال الإعلام يحتاج إلى الصبر والجهد والمثابرة، ومن يتوقع أن يعمل بمجال الإعلام دون تحديات «يقعد بالبيت»، مؤكدة على ضرورة إعطاء الشباب المزيد من الفرص حتى لو تعثروا في البدايات. وفيما يلي نص اللقاء:

كيف كانت مرحلة الطفولة؟

- قضيت طفولتي في الكويت عام 1975 حيث كان والدي يعمل ملحقاً ثقافياً في سفارة البحرين هناك، ونشأت في بيئة مشابهة لعادات وتقاليد البحرين والتشابه موجود بين جميع الدول الخليجية ولم أشعر باختلاف لأن والدي ووالدتي عملوا على تحويل منزلنا إلى بيت بحريني صغير وفي وجود الجالية البحرينية لم أشعر بالغربة، بالإضافة إلى أن لدي أخين وأختاً وكنا نذهب على فترات للبحرين ما يقارب شهرين ونعود مجدداً.

وانتقلنا مع والدي إلى العراق عام 1981 وبعد مرور عام أصبح الوضع مقلقاً أمنياً وتم قصف مدرستي في حرب الخليج الأولى، فعدنا للبحرين عاماً واحداً فقط وبعدها انتقلنا إلى جمهورية مصر العربية عام 1983، وبدأ وعي الطفولي في الظهور عندما كنت في القاهرة.

ما هي أكثر دولة عشتِ فيها؟

- عشت 21 عاماً خارج البحرين، 12 عاماً منها في مصر، لأنني أكملت دراستي الثانوية والجامعية هناك، وقد عادت أسرتي إلى البحرين ولكنني اخترت أن أكمل دراستي الجامعية في جامعة القاهرة بكلية الإعلام، وسكنت حينها في سكن للطالبات مخصص للقادمين من البحرين.

كيف كانت تجربة دراسة المرحلة الثانوية في القاهرة؟

- والدي كان يرغب أن أدرس المرحلة الثانوية في البحرين، ولكنني قررت خوض التحدي أنا وأخي وأن نقوم بدراسة المرحلة الثانوية في القاهرة، وهي واحدة من أصعب المراحل الدراسية هناك لصعوبة الامتحانات والتي تكون على مستوى المحافظة وليس فقط المنطقة وعند تقديم الامتحانات تكون في مدرسة أخرى.

وتخصصت في البداية في المسار العلمي ولكن حوّلت لاحقاً إلى الأدبي لعدم قدرتي الاستمرار في هذا المسار لأني كنت أميل إلى دراسة المواد الأدبية بشكل أكبر. وأتذكر بهذه المناسبة أن صحيفة أخبار اليوم وضعت صورتي في الصفحة الأولى أنا مع عدد من صديقاتي حيث التقطت لنا صورة ونحن نبكي بعد خروجنا من امتحان الفيزياء لصعوبته الشديدة، ويمكنني أن أصف الامتحان بأنه كان «قاتلاً» ولكن لله الحمد نجحت فيه على الرغم من أنني تخصصت في المجال الأدبي ولكن تم فرض دراسة مادة الفيزياء علينا في ذلك العام.

والمجتمع المصري حيوي وغير روتيني ومنفتح وهذه البيئة التي عشت بها شكلت وعيي الثقافي والاجتماعي خاصة أني عشت في عدة دول بثقافات وعادات بعضها مختلفة.

لماذا اخترتِ تخصّص الإعلام في المرحلة الجامعية؟

- عندما كنت في الصف الثاني الثانوي كانت هناك مجلة تصدر من قبل وزارة التربية والتعليم مهمتها الأساسية الاهتمام بشؤون الطلبة والطالبات المبتعثين في الخارج، وقامت المجلة بعمل تحقيق مع طلاب وطالبات البحرين في القاهرة والذين يدرسون في سكن خاص تقدمه وزارة التربية والتعليم البحرينية للطالبات حتى لا يشعرن بالغربة أو التشتت في سكن خارجي. وقد تحدثوا عن والدي كونه المسؤول عن الطلبة في الخارج ولم تقم المجلة بعمل لقاء أو حوار صحفي مع والدي، وبعد ظهور المجلة تصفحتها وجلست أفكر لماذا لم يقوموا بعمل حوار معه وأخبرته بذلك وقلت له مازحة «أنا لو مكانهم بحاول أن أخذ جميع وجهات النظر حتى تكون واضحة للقارئ» ومن هنا أتت الفكرة وخاصة أني كنت في مرحلة يجب أن أقرر فيها ماذا سوف أتخصص وعندما اطلعت على الثقافة بصورة أوسع وجدت أن أساس الحركة الروائية بدأت في القاهرة وأخرجت أكبر الكتاب واتخذت القرار بدراسة الإعلام هناك، وحتى أستطيع دخول الجامعة في القاهرة تم توقيع تصريح دخولي في القصر الجمهوري لأنني كنت غير مصرية، والآن لدي اثنان من الأبناء تخرّج أحدهما من الجامعة والآخر سوف يتخرج قريباً، وأقول لهم دائماً أن المرحلة الجامعية من أجمل المراحل في الحياة لأنها مهمة في تطوير الذات والشخصية بجانب الدراسة.

هل تقبّل والدكِ عملك كإعلامية؟

- والدي كان يرغب أن أكون دكتورة أو مهندسة كأغلب الآباء ولكنه لم يرفض قراري بدراسة الإعلام وكان يجب أن أثبت أني لم أتخذ قراراً خاطئاً وتعبت على ذلك كثيراً ولكن الحمد لله وجدت النتيجة المرضية. وأذكر عندما حوّلت من المسار العلمي إلى الأدبي أخبرت والدي ووالدتي بعد أن قمت بالتحويل ولم يتحدث معي والدي لمدة شهر ولكن مع مرور الوقت شاهد أن هذا ما رغبت فيه وبدأ في تشجيعي على ما أقوم به.

ومن المهم أن نترك أبناءنا يحددون رغباتهم الدراسية وأن نثق بقدراتهم، ولو عاد الزمن مرة أخرى كنت سوف أتخذ نفس القرار واجتهد وأتعب حتى أثبت أن قراري صحيح.

ما هي هواياتك؟

- أحب الجلوس في مكان هادئ منعزل وأقوم بقراءة كتاب أو الاستماع إلى موسيقى هادئة، أحب السفر وأيضاً أعتبر العمل هواية لأني أحب العمل كثيراً، ولا أحب ممارسة الرياضة.

من الذي شكل وعيك الصحفي وكيف كان العمل لأول مرة؟

- أدين بالفضل لصحيفة أخبار الخليج وللمرحوم أحمد كمال رئيس التحرير في ذلك الوقت الذي شكل وعيي الصحفي وأتاح لي الفرصة للعمل كمتدربة في الصحيفة في إحدى إجازاتي من الجامعة عندما أتيت إلى البحرين وقد كان عمري 16 عاماً، ونشر لي خبراً في الصفحة الأولى.

والتحقت بالإذاعة والتلفزيون في وزارة شؤون مجلس الوزراء والإعلام والتي تسمى حالياً وزارة شؤون الإعلام وذلك بعد أن تخرجت من الجامعة وكانت أول وظيفة لي بدوام جزئي، وأدين بالفضل لهم لأنهم شكلوا وعيي الثقافي والاجتماعي البحريني من خلال عملي وتعريفي على البحرين بشكل أساسي، حيث إنني لم أكن أجيد اللهجة البحرينية بصورة جيدة وقد شك البعض في كوني بحرينية ولا يعيب ذلك الأمر شيء ولكن ظروف الحياة أجبرتني على ذلك بسبب طبيعة عمل الوالد ولكن استطعت أن أندمج في المجتمع بشكل سريع.

ما هو أول برنامج قمتِ بتقديمه؟

- أول برنامج قمت بتقديمه كان اسمه «على الطريق» وكنت صغيرة وشعري طويلاً وطريقة الإخراج لهذا البرنامج كانت مختلفة، وحينها قام أحد الكتاب بكتابة مقال عني وكان به نقد لاذع ولكن لم يتم نشر المقال، ولم يكن في المقال انتقاد لطريقة الحوار أو الثقافة إنما المظهر الخارجي وفي وقتها ذهبت إليه وأخبرته أنني من كتب عنها المقال وقلت له هكذا تقومون بتشجيع الشباب كان يجب أن تتعرف علي قبل ذلك وتقوم بإرشادي وإعطائي النصائح وبعدها أصبحت علاقتي قوية مع هذا الكاتب.

وما حدث علمني أن أنتقي البرامج التي أقوم بتقديمها وأن أتدخل ببعض الأحيان في طريقة التصوير لأني أنا التي في الواجهة وأنا التي أتعرض لانتقادات ويجب أن أضع الصورة الصحيحة لي ومجالنا لا يخلو من الانتقادات وكانت ضريبة ذلك عالية وتأثرت كثيراً ولكن أتذكر ما حدث اليوم وأقول لو لم يحدث ذلك ما كنت على ما عليه الآن.

وأفتخر وأتشرف أن أكون أول مذيعة تقدم برامج شبابية وأن أعطي فرصة للشباب حتى يكونوا في برامج على الهواء مباشرة، حيث إننا كنا نستضيف ما لا يقل عن 20 شاباً وشابة ونقوم بفتح مواضيع تخصهم وتخص مشاكلهم.

كيف تصفين تجربة تقديم البرامج التلفزيونية؟

- 20 عاماً من المتعة التي لا تضاهيها أي متعة أخرى في تقديم البرامج، أحببت تقمص الأدوار المختلفة والتعرف على شخصيات عديدة ومتنوعة في الأفكار والثقافات والعادات، ويوجد موقف جعلني أفكر في الدخول إلى الإذاعة والتلفزيون عندما كنت في أحد المجمعات وجاء لي مراسلون يريدون عمل لقاء بأسئلة بسيطة وأعجبتني الفكرة وقد طلبني رئيس الإنتاج عبدالرحمن القحطاني بعد اللقاء في 1996 للعمل واكتشفت جانباً وعشقاً آخر في الإذاعة والتلفزيون، وفي بدايتي بتقديم البرامج كان إيصال الرسالة عن طريق التلفزيون أسرع وأوضح من الصحافة في ذلك الوقت.

وأحببت تقديم البرامج السياسية لأنها تجعلني متيقظة وتعطيني معرفة أكبر وأوسع، وهذا ما شعرت أنه يناسب شخصيتي وأرى نفسي فيه، ولا يناسبني تقديم برامج المسابقات أو البرامج الفنية وحاولت في ذلك ولكن لم تكن تجربة ناجحة.

كيف تدرجت في المناصب الإعلامية بعدة جهات مختلفة؟

- الفضول دائماً يدفعني لاكتشاف المزيد وقد بدأت مراسلة تلفزيونية في ذلك الوقت ببرنامج يسمى محليات، وكنت أعد التقارير بنفسي ومهنة الإعلام أيضاً تعتمد على الكاريزما، وهذا الأمر عزز عملي كمراسلة واستمريت حتى قدمت نشرة الأخبار وكانت عبارة عن قراءة للنشرة، وبعدها قمت ببعض المهام الإدارية في التلفزيون وتطورت حتى أصبحت رئيسة الإنتاج في فترة من الفترات وبعدها تنقلت في عدة جهات حكومية، واجتهدت حتى عدت للإعلام واليوم أنا مدير تنفيذي للإعلام والاتصال في شركة مطار البحرين.

ماذا غير المجال الإعلامي في شخصية إيمان مرهون؟

- تغيرت أشياء كثيرة إيجابية وسلبية، وأشعر في بعض الأحيان أني أقف في المنتصف وأسأل نفسي أي شخصية أنا؟ لأن من يعرفني يعرف بأنني شخصية غير اجتماعية والمجال الإعلامي علمني أن أكون اجتماعية وأقلل من الخجل وقد أخذ مني وقتاً حتى أصل لمرحلة توازن بين شخصيتي وكوني إعلامية، وقد زاد وعيي الثقافي وتعزز حب الاطلاع كوني أقدم برامج تحتاج إلى معرفة وقراءة كثيرة.

ويجب أن يكون الإعلامي مطلعاً وليس قارئاً فقط لأنه توجد عدة طرق في هذا المجال وكل شخص يختار طريقه ليسلكه على ما يناسب شخصيته ولا يوجد طريق أقل من الآخر ولكن على كل من يختار أن يتحمل مسؤولية قرارته واختياراته ويثبت عليها.

ما هو أصعب موقف واجهتِه؟

- توجد مواقف مؤثرة مرّت في حياتي وكانت صعبة ومرّ عليها الزمان ولا يوجد موقف واحد محزن أو مفرح لأن الحياة عبارة عن صعود وهبوط لا يمكن أن أحصرها في موقف واحد في وقتها، نأخذ وقتنا في الزعل والحزن، ولكن بعد أن يمر الوقت ونتذكر هذه المواقف قد نضحك عليها ونقول في بعض منها إنها كانت أحلى أيام على الرغم من وجود صعوبات فيها ولكن لأنها شكلت شخصيتنا والحياة مستمرة.

برأيكِ ماذا يحتاج الإعلام البحريني؟

- الإعلام مليء بالتحديات ومن يتوقع أن يعمل في المجال الإعلامي دون تحدٍّ «خليه يقعد بالبيت» لأنه منذ أن كنت في الجامعة سمعت أن المجال الإعلامي يسمى «بمهنة المتاعب»، يجب تقبل المجال الإعلامي بسلبياته وإيجابياته، ولا أرى أننا ينقصنا شيء، نحن نواكب التطور الذي يحدث والتحدي هو الاستمرار في ذلك وأن نتقبل جميع أنواع التغيير التي تحدث في المجال الإعلامي.

هل تشاهدين اختلافاً في الإعلام قديماً وحديثاً؟

- منذ 26 عاماً وأنا أسمع من يقولون أن الصحف والتلفزيون والإذاعة «راحت عليهم» ولكنها حتى الآن مازالت موجودة وستظل كذلك على الرغم من أننا نسمع نفس الجملة حتى هذا الوقت، ولكن لكل واحدة منهم جمهور كبير، المشكلة ليست في الصحف أو التلفزيون أو الإذاعة المشكلة تكمن في التفكير السائد يجب أن يغير الناس نمط تفكيرهم.

الإعلام عبارة عن انعكاس لصورة المجتمع يوجد من يقول «أيام أول أحسن» ليس هذا بالقول الصحيح يجب أن نعيش كل مرحلة في وقتها، ولا توجد مقارنة بين الماضي والحاضر، ونحن نربي جيلاً يجب أن نعلمهم أن يعيشوا الحاضر وليس الماضي وذلك مع تعليمهم حفظ العادات والتقاليد والمبادئ الأساسية لأنها لا توجد لها صلاحية انتهاء، يجب تربية أبنائنا على مواكبة الأفكار التي تناسب اليوم والتغيير الذي يحدث حتى لا يشعروا أنهم يعيشون في زمن غير زمانهم ولا يناسبهم.