صباحٌ بحريني يبدأ كما نحب، شاي الحليب على نار هادئة، خبزٌ خارج للتوّ من التنور، وهمّةٌ تتجهز لحدث طال انتظاره. على الطريق إلى القاعة، تتزاحم الرسائل في الهاتف، ونعرف وجهتنا، افتتاح «البرنامج الوطني لإعداد مختصي التوعية السيبرانية». عند المدخل، تسجيل سريع، سلامٌ يجرّ سلاماً، وابتساماتٌ بين وجوه تقنية ومسؤولين من جهات مختلفة؛ خليطٌ يعطيك إحساسًا بأن هذه الفعالية ليست يومًا بروتوكوليًا، هي نقطة بداية لمشوارٍ أطول.

في القاعة، كانت الفكرة تلمع ببساطة أن نضع الإنسان في قلب الأمن، لا على هامشه. أن تصبح التوعية سلوكاً يومياً لا لافتةً موسمية. الافتتاح عرّفنا على سبب الاجتماع، بناء قناة تواصل عملية مع المركز الوطني للأمن السيبراني، قناةٌ تختصر المسافة بين المعلومة والإجراء؛ من تنبيهٍ يصل في وقته، إلى استجابةٍ تعرف وجهتها، إلى متابعةٍ لا تترك الدروس المستفادة تتبخر. هذا النوع من الربط المؤسسي يمنح الجهات الحكومية والقطاعات الحيوية لغةً مشتركة، فيتحول «الشكّ الجميل» إلى عادة، وتتحول الدقائق الأولى لأي حادثة إلى مساحةٍ من التنظيم بدل الارتباك.

الجميل أن الدعم واضحٌ دون صخب. اهتمام القيادة هنا لا يأتي في صيغة شعارات، بل في صورة مسارٍ وطني يتعامل مع الأمن السيبراني كجزءٍ من جودة الحياة والخدمة العامة. حين تُجمع الخبرات في قاعة واحدة، وتُوجَّه الطاقات نحو حماية البيانات والناس، تشعر أن القرار من أعلى يصنع طمأنينةً في الأسفل، هناك رؤية، وهناك من يتابعها ويحاسب عليها، وهناك من يترجمها داخل كل جهة بما يلائم مهامها.

والقيمة التي تهم القارئ تبدأ من أبسط التفاصيل، أن نضع تذكيراً صغيراً قرب أجهزة الدفع يلهم السؤال قبل المشاركة، أن يخصص كل فريق دقيقة صباحية لمراجعة كلمات المرور وتحديثها، أن نعتمد مصادقة ثنائية لا تزعج بل تطمئن، وأن نعرف دائمًا إلى أين نبلغ وماذا نقول حين نشك. ليست المسألة حرب أكواد بقدر ما هي تهذيب عادات؛ “توقّف، تحقّق، ثم اضغط” قاعدةٌ تحمي وقتك وسمعتك وبيانات مؤسستك.

وننتظر من المرحلة التالية أن تتحول هذه الروح إلى مساراتٍ عملية قابلة للقياس، نقاطُ اتصالٍ معلَنة لا تُترك للتخمين، وقنواتُ بلاغٍ موحّدة تعرفها كل الإدارات، ونماذجُ قصيرة لا تُرهق من يبلغ، وتمارينُ محاكاةٍ خفيفة تتكرر على فترات معقولة. المطلوب ليس تعقيد الإجراءات، بل جعل الأمان جزءًا من سير العمل اليومي، تقليل النقرات على الروابط المريبة، تقليص زمن الإبلاغ عن الحوادث، ورفع وعي الزملاء الجدد منذ اليوم الأول. بهذه الطريقة يصبح القياس حليفًا للثقافة، لا عبئًا عليها.

هذه الانطلاقة لا تُقاس بعدد المقاعد في القاعة، بل بعدد السلوكيات التي ستتغير خارجها، مكالمةٌ تُراجع قبل الرد، رابطٌ يُختبر قبل الفتح، وقرارٌ واعٍ يسبق النقرة بثانية. وفي النهاية، يبقى الاسم وعدًا بعملٍ دؤوب: «البرنامج الوطني لإعداد مختصي التوعية السيبرانية» بدايةُ ثقافةٍ تُعاش، لا لافتة تُعلّق؛ وموعدٌ مع وعيٍ يطرق كل شاشة في البحرين بهدوءٍ وفاعلية.

* خبير تقني