البحرين منذ القدم، خاصة بعد الفتح العظيم الذي آلت وعادت البحرين إلى أحضان أمتها العربية، وأصبح الساحل الشرقي من شرق العرب شمالاً إلى مسقط جنوباً ساحلاً عربياً بحتاً، وكانت البحرين ولازالت مقصد التجار وحملة الرسالة المحمدية والصناع والحرفيين والغوص، ومن يريد العيش الآمن المستقر، وقد نبغ فيها كثير من علماء الدين منذ التأسيس في الزبارة وفي البحرين وحتى الآن، واشتهر الكثير من الفقهاء في الدين الإسلامي من الطائفتين الكريمتين السنية والجعفرية، وفي العصر الحديث ذاع صيت القاضي الرئيس قاسم المهزع والقاضي الفقيه خلف العصفور، ومع الضغوط التي كانت تفرضه الحماية البريطانية عليهما، إلا أنهما وخاصةً في عهد المغفور له صاحب العظمة حاكم البحرين عيسى بن علي آل خليفة تغمده الله بواسع رحمته و أسكنه فسيح جناته، جعل للقضاء الإسلامي مكانته الرفيعة في دولة تنتمي إلى أرض العروبة والإسلام أرضاً وشعباً، ولم تستطع السلطة البريطانية النيل من هذه الحقوق أو التدخل في الشؤون الشرعية، والمشاهد، ظل مسجد الخميس بقرية الخميس والذي يعد من أقدم المساجد الأثرية في مملكة البحرين وأكبرها، ومسجد القاضي الرئيس قاسم المهزع بالمنامة، والقاضي الفقيه الشيخ خلف العصفور في قرية بوري، وفي المحرق هناك مسجد سياديه المشهور بهندسته التصميمية ومواد بنائه ومسجد بن درباس البنعلي الذي تم تجديده برعاية المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة تغمده الله تعالى بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، ومسجد الشيخ علي بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين، والد الحاكم عيسى بن علي آل خليفة، ومسجد الفاضل بالمنامة، وهناك مساجد كثيرة متعددة متناثرة في ربوع البحرين، أذكر منها مسجد الشيخ إبراهيم في إحدى جزر قرية عسكر، و آخر في النبيه صالح.

منذ 8 أشهر أو أكثر قال لي صديقي بو وليد، هل زرت مسجد خلف العصفور قط؟، أجبته بالنفي، ووجهت له سؤالاً وأين يقع؟، أنا أعرف شارع خلف العصفور في المنامة إلى الشمال من المستشفى الأمريكي، قال يقع في قرية بوري، وبما أنني أعشق التاريخ المعطر، قلت له هيا بنا نزوره في التو، وكان الوقت عصراً، وتوجهنا إلى بوري قاصدين زيارة هذا المسجد التاريخي للقاضي خلف العصفور رحمه الله تعالى، الشارع العام الرئيس حديث، لكنه عرج بالسيارة إلى الجهة الشمالية الغربية من بوري الداخلية، فإذا بها بيوت قديمة وإلى جانبها بيوت حديثة، وطرقاتها ضيقة غير معبدة، وتكثر فيها المزارع الحي منها والتي على عروشها، مزارع تحولت إلى برك للسباحة بالتأجير على المتنزهين صيفاً، ومخازن لبضائع، وسلكنا طريقاً ضيقة لا تسع إلا لسيارة واحدة للمرور وغير مرصوفة، وبعد سؤال رجل من القرية عن موقع المسجد المذكور دلنا عليه بالشرح، وبالمناسبة الشيخ العصفور عاصر القاضي قاسم المهزع في نفس الفترة.

إنه مسجد مبني على الطراز القديم المكون من جسم المسجد والليوان والحوش ومكان الوضوء كما مسجد سياديه بالمحرق، وبابه مصنوع محلياً من الخشب وفيه نقش بارز يحمل إسم صاحبه، ولوحة تفيد بأن هذا المسجد تابع للأوقاف الجعفرية، هذا المسجد يجب ان تتبناه هيئة الثقافة والتراث وتجعله وجهة للسواح البحرينيين والأجانب، من بعد تحديث هذه القرية ورصف الطرق و الشوارع، والمطلوب أن يضاف إلى هذا المسجد التاريخي مكتبة تضم الكتب التي يمتلكها المرحوم والكتب الفقهية التي ألفها، ومن الممكن الرجوع إلى أحفاده الكرام للوصول إلى ماذكرت.