تشهد الأسواق في جميع أنحاء العالم زلزالاً تضرب توابعه بقوة في كل اتجاه وذلك منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم المستشري في الولايات المتحدة، وقد بدا ذلك واضحاً في معظم الأسواق المرتبطة عملة دولها بالدولار ومن بينها دول الخليج.

وقد امتدت توابع هذا الزلزال غير المسبوق إلى العملات المشفرة التي تلقت ضربات موجعة وهي ضربات متواصلة ومستمرة ولا يعلم أحد مدى نهايتها وذلك بعد أن فقدت أكثر من 200 مليار دولار من قيمتها في يوم واحد فقط، الجمعة 13 مايو والذي سبقه وأعقبه خسائر كبرى أخرى، فبحسب التقديرات انهارت عملة لونا «Luna» المشفرة وفقدت أكثر من 99% من قيمتها، ووصلت إلى مستوى قياسي منخفض يزيد قليلاً عن دولار بعد أن كانت 6.75 دولار. وانخفضت عملة «بيتكوين»، أكبر عملة مشفرة، بنسبة أكثر من 10%، لتصل إلى أدنى مستوى منذ ديسمبر 2020، بينما هوت عملة «إيثيريوم» بنسبة أكبر من 16%.

وبحسب تقرير لرويترز، نقلاً عن إحصاءات من «CoinMarketCap»، انخفضت القيمة السوقية لجميع العملات المشفرة إلى 1.12 تريليون دولار، أي ما يقرب من ثلث ما كانت عليه في نوفمبر الماضي، مع حدوث أكثر من 35% من الانخفاض هذا الأسبوع. وإذا أخذنا عملة «بيتكوين» مثالاً، نجد أن القيمة السوقية للعملة تقدر بنحو 525 مليار دولار عند سعر 27.2 ألف دولار موزعة على أكثر من 19 مليون وحدة، مقارنة مع الذروة التاريخية البالغة 1.21 تريليون دولار في نوفمبر الماضي.

فيما قررت منصات تداول العملات المشفرة، مثل «Binance» و«Bybit» و«eToro»، إلى شطب عملة «Terra LUNA» التي تعرضت لأكبر خسارة بين العملات المشفرة خلال الأزمة الحالية، وذلك بعد انخفاض سعرها بنسبة 100% تقريباً، ما يثير التساؤلات عما إذا انقرضت من عالم العملات الرقمية.

وقد أرجع الخبراء هذه الانخفاضات الكبرى في العملات المشفرة إلى البيع المكثف من المستثمرين للأصول ذات المخاطر العالية، في ظل الذعر الذي يسيطر على الأسواق المالية من الارتفاع المتواصل في التضخم، والتخوف من حدوث ركود اقتصادي على وقع الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة.

إن ما تعرضت له العملات المشفرة خلال الفترة الماضية أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن العملات الرقمية المشفرة لا تتمتع بأي حماية في مراحل السوق، التي تتسم بعدم اليقين، مثل الحادث الآن إذ أصبحت هذه العملات ضمن فئة أصول عالية المخاطر، وسرعان ما يتم التخلي عنها مع ظهور شكوك بشأنها، وبالتالي سقطت أسطورة الملاذ الآمن.

لقد سقطت الأساطير التي كان يروج لها البعض حول العملات المشفرة وذلك بعد أن تعرضت لأول اختبار حقيقي فلم تعد هي الوسيلة للتحوط من التضخم بعد التراجعات القوية التي شهدتها العملة خلال الفترة القليلة الماضية وأصبح حالها كحال بقية السلع الأخرى التي تتأثر بمؤشر أسعار المستهلك.

كما تهاوت أسطورة استقرار العملات المشفرة، وتم فقدان الثقة بها بعدما سقطت وتراجعت دون قيمة الأصول المرتبطة.

لقد سبق وحذَّر الاقتصادي الأمريكي الشهير الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغمان، من احتمال تعرض النظام المالي العالمي لأزمة جديدة بسبب العملات المشفرة وأكد أن هناك «أوجه شبه كثيرة مع فقاعة قروض الرهن العقاري» التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية في 2007-2008. وأضاف، «نشهد صدى مقلقاً لانهيار سوق الرهن العقارية قبل 15 سنة». إلا أن أحداً لم يستمع له ووصل عدد من يمتلكون عملات رقمية مشفرة مع نهاية 2021 إلى ما يقرب من 300 مليون شخص مع نهاية 2021 بحسب إحصائيات منصة «كريبتو. كوم» لتداول العملات الرقمية المشفرة، كما أن بعض بنوك التوفير كانت ترغب في إتاحة شراء العملات الرقمية المشفرة لعملائها عن طريق حساباتهم الجارية.

فهل يا ترى لاتزال هذه الرغبة قائمة لدى هذه البنوك أم أنها سقطت بعد أن تهاوت كل أساطير العملات المشفرة؟ وهل الأسوأ قد انتهى أم أن للقصة بقية؟!