كما أسلفنا سابقاً فإن الجناحين المتصارعين على السلطة التيار بزعامة مقتدى الصدر والإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي هم جناحان إيرانيان لاشك وجدال في ذلك، ووجه الخلاف أن المالكي وباقي الأطراف في الإطار يعترفون ويفتخرون أنهم جناح إيراني ومرجعيتهم خامنئي، أما جناح التيار فلا يمكنهم إنكار تبعيتهم لإيران لكن ما حصل هو انشقاق وخلاف عميق في البيت الشيعي خصوصاً بعد نتائج انتخابات عام 2021 في توزيع المقاعد والتحالفات المترتبة على نتائجها وقرار المحكمة الاتحادية في تفسير الكتلة الأكبر واشتراط حصولها على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي بمعني آخر استحداث الثلث المعطل كبدعة جديدة وهي استنساخ سيئ للتجربة اللبنانية الفاشلة، وقد فشل الطرفان في الوصول لهذا الرقم بتحالفهما مع الفرقاء من السنة والأكراد على الرغم من نجاح مقتدى الصدر في إقناع السنة والكرد في تشكيل تحالف جديد أطلق عليه «إنقاذ وطن»، وكان هدفهم تشكيل حكومة أغلبية وطنية وليست حكومة توافقية كما يصر عليها المالكي وطاقمه، من هنا بدأ الانشقاق والصراع بينهما بالمناوشات الكلامية ثم بالتغريدات والتصريحات النارية وهو صراع على السلطة وليس صراعاً من أجل تقديم أفضل الخدمات وانتشال العراق من المستنقع الذي غرز فيه، ودخلت إيران على الخط وبرحلات مكوكية شبه أسبوعية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني لتهدئة الموقف بتقريب وجهات النظر في تشكيل حكومة توافقية بين الجناحين لكن مساعيها باءت بالفشل بتعنت الطرفين، وهذا يعطي مؤشراً كبيراً على تراخي القبضة الإيرانية على التحكم في الملف العراقي كما كان في فترة قاسم سليماني الذي كان يأمر فيطاع كما يؤشر أيضاً لتنامي روح التمرد لبعض القيادات الشيعية على توجيهات المرشد الأعلى وبروز جهات إقليمية تحد من تفرد إيران بالعراق على هواها طوال عقدين!

فبقي كل طرف، مصرّ على أجندته، ليس حباً بالعراق ولا بشعبه بل إن كل ذلك يجري في ميزان الربح والخسارة فضلاً عن إصرار المالكي وتعطيله لكل جهود التقارب ورفضه للذهاب لتشكيل حكومة أغلبيه لأنه يدرك يقيناً بأن عدم حصوله على أي منصب سيادي يعني سوقه للقضاء عن الجرائم التي ارتكبها خلال فترة توليه لرئاسة الوزراء لدورتين متتاليتين.

وبعد هذا الانسداد عجّل السيد مقتدى الصدر بتوجيه ضربة استباقية لخصمه بإعلانه الانسحاب من العملية السياسية آمراً كتلته المكونة من 73 نائباً بتقديم استقالتهم، فاسحاً لخصمه المجال في تشكيل حكومة على هواهم ففرحوا ومعهم المالكي لهذه الخطوة وصفقوا لها وبلعوا الطعم وتسارعوا خلال أيام في تقديم النواب البدلاء عنهم والصدر يراقب المشهد ويعد العدة ويجيّش الشارع ضدهم وينتظر ساعة الصفر ليقلب الطاولة على رؤوسهم.

وللحديث بقية..