البحرين بلد قديم لها تاريخها العريق الذي يمتد إلى خمسة آلاف سنة، وخلال تلك العقود تداول على أرض هذه الجزيرة الصغيرة الجميلة العديد من الحضارات، ولقد ساعد موقعها الجغرافي، وطبيعتها الجميلة على نمو العديد من الحضارات، فأرخبيل البحرين يقع في منتصف مياه الخليج العربي، فعبرها التجار من كل حدب وصوب، وأرضها السخية بمياهها العذبة ونخيلها، وزرعها، وخيراتها تستقطب الشعوب والتجار، فتعود سكانها على تقبل الثقافات المتعددة والمختلفة من مرتادي هذه الجزيرة، فأبدعوا في مزج هذه الثقافات ليصنعوا في النهاية حضارة خاصة بهم.

ونقصد بالحضارات ذلك الموروث الذي يتركه أبناء الوطن من عادات وتقاليد وعلوم وفنون، ومعمار، ويتسم بهوية معينة وصبغة خاصة وعادة ما يطلق على هذا الموروث اسم معين كالحضارة الفرعونية حيث أطلق هذا الاسم على تلك الفترة الزمنية التي يسمى فيها حاكم مصر «بفرعون»، والحضارة البابلية حيث استمد الاسم من اسم المنطقة التي نشأت فيها هذه الحضارة. ولعل المؤرخين وعلماء الآثار والمنقبين عن الآثار هم من يتولون البحث عن هذه الحضارات اكتشافها، وتوثيقها وتسميتها. بهدف الاستفادة من علومها وفنونها، ويتطلب هذا البحث والتنقيب والتوثيق جهداً جباراً من فرق من الباحثين في مجال التاريخ والآثار وغيرها من العلوم، تلك الجهود تستمر على مدى عشرات السنوات بهدف توثيق موروث تلك الحضارة.

والبحرين بلد تعاقبت عليها حضارات مختلفة امتدت إلى أعماق التاريخ، فعلى أرضها كانت الحضارة الدلمونية، وعلى أرضها كانت حضارة تايلوس، ولحقتها حضارة أوال، وتلك الحضارات اكتشفها المؤرخون والمنقبون وعلماء الآثار ووثقوها، ولعل الشواهد الموجودة في متحف البحرين إحدى وسائل التوثيق لتلك الحضارات.

والبحرين لازالت بلداً تستقبل الثقافات المتعددة، ولازالت تلك الثقافات تمتزج لتنتج موروثاً حضارياً ثرياً من فنون وعلوم، وصناعات، وكم أتمنى أن نستبق الحدث ونوفر على المؤرخين الذين سيعقبوننا في الأزمنة التالية، فنوثق حضارة البحرين اليوم ونكتب تاريخنا بأنفسنا ونطلق على حضارتنا التسمية التي نرتضيها، ونحفظها ليسهل على الأجيال القادمة اكتشاف حضارة البحرين وتوثيقها والاستفادة منها.. ودمت يا وطن سالماً.