في ظل الأوضاع الراهنة وتزايد المخاوف العالمية من خط الفقر واحتياجات الدول لتأمين المستوي الأساسي للعيش الكريم لمواطنيها والابتعاد عن الرفاهية، خصوصاً وأننا في خضم تحديات كثيرة من ضمنها إعادة صياغة أرقام الكثير من البرامج التنموية وارتباط ذلك بمعدلات الفائدة والتضخم العالمي الذي عصف بالدول المتطورة بعد جائحة كورونا (كوفيد 19) التي أفقرت الكثير من الأمم والشعوب، فإن ذلك ينذر بأزمة مالية وعالمية بعد الأزمة الصحية الماضية.

الأيام القادمة سوف تحمل الكثير من التحليلات الاقتصادية خصوصاً وأننا في حقبة نعيد جميعاً فيها حساباتنا بشأن ارتفاع معدلات اقتطاع التأمينات التقاعدية بعد سلسلة إصلاحات في الصناديق التقاعدية التي سوف تطيل عمرها بإذن الله تعالى، ولكن في المقابل لنا الحق أيضاً طرح رؤية أخرى للتفكير خارج الصندوق مع عدم تحملنا أي مسؤولية قرارات استثمارية تترتب فيما بعد.

لنقم بعملية حسابية صغيرة، فلنأخذ مثلاً متوسط الأجور على مدى 25 عاماً مع تطور الفرد الجامعي الذي قد يتجاوز راتبه 1600 دينار بالتأكيد مع الوظائف التخصصية، فعلى الرغم من ذلك لا يمكن التفكير بالتقاعد حتى بعد انقضاء هذه الأعوام بمجموع استقطاعات تصل إلى 27% قادمة تتحملها دار الحكومة والفرد بمجموع استثماري تراكمي يصل إلى 150 ألف دينار، حيث بمقدوري أنا كرائدة أعمال منشغلة بالعمل العقاري المتواضع أن أسحب جميع أموالي التقاعدية الاستثمارية وشراء عقار أو عمارة استثمارية بأقل من ربع مليون دينار مع قرض بنكي استثماري أو شخصي لمدة 8 سنوات ذات إيراد متوقع بحوالي 20 ألفاً سنوياً وعلى أقل التقدير نصف الإيرادات تغطي هذا القرض الشخصي وتؤمن مستقبلي المعيشي والتقاعدي وأمتلك خيارات أخرى متعددة لما بعد تصل سقف سماء، وكفى جدلاً.

لن أناقش في هذا المقال الآثار الأخرى المترتبة بسبب عزوف الشركات عن بحرنة الوظائف نتيجة للاقتطاعات التقاعدية والتي أساساً كانت مشكلة كبيرة من قبل، حتى على مستوى دار الحكومة، فقبل 15 سنة عندما كنت موظفة في دار البلديات كان موظفو العقود المؤقتة يعانون صراحة من أمل التوظيف بعد سنوات استنزفت من عمرهم الوظيفي بين 5 إلى 7 سنوات إلى حين التثبيت بدون أي تأمين تقاعدي، إلى أن فرض الواقع الوعي لدى الجميع بضرورة الإلمام بهذه الأمور مع اعتقادي الخاص بأن كل ذلك لا يتطلب كل هذا الفزع ولربما قليل من الحسابات والتفكير بخيارات مختلفة بما أن المواطن مخير دائماً.

أستنبط من هذا الموضوع، قصة حقيقية حدثت مع فردين مقربين من عائلتي الكريمة، أحدهما سحب جميع أمواله التقاعدية قبل 20 سنة واشترى عقارين فقط بمنطقة السيف والآخر استمتع براتبه التقاعدي بنفس الفترة الزمنية، فالأول يملك الآن سيولة مالية على أقل تقدير لربما نحو 4 ملايين دينار ومجموعة عقارات أخرى بقيمة تصل إلى ضعف هذا المبلغ، والآخر مازال براتب تقاعدي بدون أي قروض أو ديون ومنزل محترم وحياة كريمة جداً، والخيار مطروح أمام القراء.

* سيدة أعمال ومحللة اقتصادية