يتواجد بيننا أشخاص يشبهوننا في الصورة واللغة واللهجة ونمط العيش. ولدوا وعاشوا طوال حياتهم بيننا. ولكنهم يتصرفون على نحو وكأنهم لا يفهموننا وليسوا جزءاً من نسيج هؤلاء الناس. إنهم يعيشون في عالمهم الخاص الذي حظوا به، أو صنعوه لأنفسهم. لا يقتربون من قضايانا الحقيقية، لا يشعرون بآلام مختلف فئات المجتمع واحتياجاتهم. لا نستطيع أن نصفهم بأنهم نرجسيون بالكامل، غير أنهم يرون في أنفسهم تميزاً يجعلهم بعيدين عن واقع المجتمع وغير متعاطفين مع أفراده.

يصنف التعاطف بأنه قيمة رفيعة جداً. وفي الدول المتقدمة يعلمون الأطفال أساليب التعاطف منذ الصفوف الدنيا. حيث يتعرفون على بعضهم وينشؤون في جو يتقبلون فيه اختلاف ألوانهم ولهجاتهم وخلفياتهم الاجتماعية. ويجرون تمرينات وتدريبات على مختلف المواقف التي يمكن أن يمروا بها وكيف يتعاملون بتعاطف مع زملائهم في خضم تلك المواقف. فحين يمرض أحد الأطفال يعد المعلمون في المدرسة خطة «تعاطفية / داعمة» يدربون الأطفال فيها على استقبال زميلهم وإحاطته بالحب والدعم. كما أن المنظمات المحلية في تلك المدن تجهز فعاليات اجتماعية تدرب فيها أفراد الحي على التعاطف مع الفئات الهشة والمهمشة في المجتمع، مثل كبار السن الوحيدين، المشردون، اللاجئون، الأيتام في الملاجئ. فالتعاطف شعور طبيعي لكنه يحتاج إلى علم وتدريب كي يرقى إلى تحديات هذا العصر الذي يسوده، في كثير من الأحيان، القسوة المفرطة، وحالات الانعزال والوحدة.

سنجد أن الكثير من المشاهير ونجوم هوليوود يمارسون قيمة التعاطف ويروجون لها عن طريق تأسيسهم لجمعيات خيرية داعمة للأفراد، أو بانضمامهم للجمعيات المحلية أو المنظمات الدولية مثل منظمات الأمم المتحدة المتعددة التي تساعد اللاجئين وضحايا الحروب. بعض هؤلاء المشاهير عاشوا ظروفا بائسة لكنهم تجاوزوها إلى عالم الثراء والشهرة الفاحشين مثل الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفلي. والبعض لم يخبر أياً من تلك الظروف القاسية مثل الأميرة الراحلة ديانا سبنسر والممثلة العالمية جينفر لوبيز. ولكنهم حين يزورون أولئك الضحايا والمحرومين والمعوزين فإنهم يعاينون البيئة البائسة التي يعيشون فيها، ويشاهدون تفاصيل حياتهم بأم أعينهم، ويسمعون منهم مباشرة مشاعرهم تجاه آلامهم وما يتمنون وما يحتاجون. فتصبح خبرة التعاطف لديهم خبرة مباشرة هي جزء من طبيعة حياتهم وممارساتهم الخاصة، التي انعكست كثيراً على اتجاهات أعمالهم ونوعيتها.

ربما يعيش بعضاً في امتيازات تحول بينه وبين أن يعرف ماذا يحدث حقيقة في المجتمع. وقد يكون لدى بعضنا انحيازاته الخاصة لفئات بعينها، أو مصالح بذاتها. فلا يعنيه سوى مسار اهتماماته الشخصية. بالتالي قد نجد تدني في منسوب التعاطف في المجتمع. لكن قيمة التعاطف في حد ذاتها هي أحد ضمانات استقرار المجتمع، وترابط نسيجه. وإن كنا تحت وطأة انشغالاتنا واهتماماتنا لا نستطيع إدراك تلك القيمة واستشعارها. فإن قليلا الاهتمام بالآخرين، وتخصيص وقت لمتابعة مشكلات المجتمع، وقراءة أثر تلك المشكلات على أصحابها وانعكاسها على باقي أفراد المجتمع ستمكننا من ترقية ذواتنا إلى مرتبة التعاطف. ولن يبدر منا، من دون قصد، سلوك قد يؤذي أحد مكونات المجتمع المختلفة. أو تفلت منا زلة لسان قد تسيئ إلى شخص أو تتجاهل معاناته وآلامه ونضاله من أجل حياة أفضل.