أهم تعريف في تقديري قرأته حول توصيف الطبقة الوسطى وقضاياها هو أنها الطبقة التي تدير مصالحها وتحافظ على النظام الذي منحها الفرص. وكان أكثر ما شد اهتمامي فيما قيل وكتب عن الطبقة الوسطى ودورها وأهميتها في المجتمع، أنها الطبقة التي تضمن استقرار المجتمع وتحمي سياساته وقوانينه. قادني هذا الطرح بالذاكرة إلى فوضى ما سمي بـ«الربيع العربي». وما سبقه وتلاه من اضطرابات في الدول العربية تحركت بخيوط مريبة تحت ذريعة تدني الوضع الاقتصادي وتفشي الفقر.

لم يتفق الاقتصاديون وعلماء الاجتماع على مفهوم واحد يؤطر معنى «الطبقة الوسطى». واختلفت المعايير ما بين طبيعة الأعمال التي يمارسونها، إلى مستوى الدخل الذي يحصلون عليه، أو أسلوب الإنفاق. فبعض الدراسات تعتبر الطبقة الوسطى هي طبقة المتعلمين والتقنيين المؤهلين أكاديمياً الذين يمارسون أعمالاً مكتبية إدارية وإشرافية. وتصنيف آخر يرى أن أي عامل حتى لو كان مزارعاً أو عاملاً في مصنع يتقاضى راتباً شهرياً بقدر معين يخرجه من دائرة الطبقات الدنيا ويقربه من الطبقات العليا فهو عضو في الطبقة الوسطى. ويمكن اعتبار أي أسرة تهتم بتوفير نصيب مرضٍ من الدخل للتعليم والترفيه والسفر، أياً كان نوع الوظيفة أو مقدار الدخل، هي أسرة من الطبقة الوسطى.

وبرغم الاختلافات الأكاديمية السابقة فإن الاقتصاديين وعلماء الاجتماع متفقون جميعاً على أن استقرار الطبقة الوسطى وتمددها في المجتمع هو عامل بالغ الأهمية في أمن واستقرار الدولة؛ فطبيعة أفراد الطبقة الوسطى تختلف عن الطبقتين العلوية والدنيا. وأفراد الطبقات العليا في الغالب إما ورثوا الثروة من أجدادهم أو من محدثي النعمة الذين يقضون أكثر أوقاتهم يتمتعون بالمزايا والكماليات. أما أفراد الطبقات الدنيا فهم من المحرومين متدني الإمكانات ومعدومي الفرص. وعلى عكس ذلك يتميز متوسطو الطبقات بالمواهب والكفاءات والتأهيل العالي ما يمكنهم من استثمار الفرص، وخلقها في كثير من الأحيان. وهذا ما يتوافق مع طموحاتهم في التعبير عن قدراتهم ومهاراتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.

غير أن الطبقة الوسطى هي الأكثر تأثراً بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية، ما يجعل أفرادها أكثر حساسية وقلقاً من تلك المتغيرات. لذلك هم الأكثر متابعة لصعود الدولار وهبوطه، وتغير أسعار النفط، وتغير سعر الفائدة، ومسائل التضخم. فآمالهم وخططهم ترتبط بكل القوانين والأوضاع المستجدة، والطريف أن دارسي الاجتماع يؤكدون أن الثقافة الاقتصادية والسياسية النوعية لدى أفراد الطبقة الوسطى لا تجعلهم مؤدلجين أو مسيسين، بل على العكس!!! فهم الأكثر ولاء وانتماء للنظام السياسي القائم «بمعزل عن الشخصيات والنخب الحاكمة»؛ لأن استقرار النظام هو استقرار لأوضاعهم. وهم على عكس الطبقات العليا، ليس لديهم ثروات واستثمارات خارج البلد. وإذا كان الفقراء ليس لديهم ما يخسرونه، فإن المتوسطين سيخسرون كل ما صنعوه بأنفسهم.

من أجل ذلك، وحين تشتد الأزمات الاقتصادية، أو تخطط الدول لإعادة هيكلة اقتصادها، يحذر الخبراء والمنظمات من تآكل الطبقة المتوسطة وانزلاقهم شيئاً فشيئاً إلى الطبقات الفقيرة. وخصوصاً فئة الموظفين المؤهلين مثل المعلمين والفنيين والصحفيين والعمال من محترفي استخدام التكنولوجيا. أولئك الذين يمتلكون التأهيل المهني والوعي الأكاديمي؛ لأن اتساع الطبقات الفقيرة وامتلاءها بالمتعلمين والعاملين المهرة سيقود يوماً، لا محالة، إلى زعزعة النظام السياسي واندلاع ثورة الجياع.