تحتفل النيابة العامة يوم غد الأربعاء بمرور عشرين عاماً على تأسيسها. هذا شيء مهم في إبراز الصورة الناصعة للدور الذي تضطلع به هذه المؤسسة الوطنية في البناء الوطني وتعزيز روابطه كافة اجتماعياً وسياسياً وكذلك اقتصادياً، فالقضاء المستقل العادل دائماً هو العمود الفقري في الحفاظ على سيادة القانون إضافة إلى حماية الحقوق والحريات العامة.

ثمَّة نوع من العلاقة بين مكونات المجتمع، ولعل النيابة العامة هي الخط المتقاطع والواصل بين كل هذه المكونات، فهي صوت العدالة الناجز في إحقاق الحق ورد المظالم إلى أهلها فبدون نيابة ملتزمة تسهر على تطبيق القانون لن يكون هناك عدالة حقيقية أو استقرار في الحياة، والذي يعود إلى أرشيف النيابة العامة سينذهل من حجم الإنجاز الكبير، ولا أبالغ إن قلت إننا في الصحافة نئن من حجم الأخبار والقضايا التي تردنا من العلاقات العامة في النيابة العامة، وهذا إنجاز كبير يسجل لهذه المؤسسة العريقة ويسطر لها بمداد من ذهب.

أيضاً، سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها النيابة العامة وسهولة وصول الخدمات المقدمة لكافة المواطنين والمقيمين، تمثل في الحقيقة ديدن هذا الصرح، وهذه الفلسفة في الحكم القضائي تدل على حنكة كبيرة في العمل وبعد نظر في تعميد قوة الوطن بماء المواطنة الصالحة والحفاظ على نسيجه، فالتشاركية بين المواطن ودولته هي المدماك الأقوى التي تبنى به الأوطان وتزدهر.

هنا أقول ينبغي أن لا يغيب عن بالنا ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب عندما ولي الخلافة: «الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع إليه حقه والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله»، وهذه بحق الدستور الخاص الذي بنيت عليه سياسة النيابة العامة في البحرين.

لعل قائلاً يقول كيف يمكن أن تكون «تقوى الوطن»، فأقول هي بحفظ مقدراته وصون منجزاته والالتزام بثوابته العليا، وعندما تتحقق هذا الوصايا الوطنية المقدسة نكون حقاً قد أدينا حقنا للوطن بأكمله، فلا يمكن أن نكون وطنيين حقيقيين إلا بالتماهي مع القضية الوطنية الأساسية السامية وهي أمنه ولا شيء قبله ولا بعده.

تؤدي النيابة العامة دوراً فاعلاً وغاية في الأهمية في الحفاظ على سيادة القانون، هي الضامن لاحترام أحكام القانون وسيادته، وهي بذلك تعمل على ملاحقة من يعتدي على الحقوق والحريات بصورة تشكل جرماً وفق القانون وتقديمه للمحاكمة، وحتى تتمكن النيابة العامة من أداء هذا يتوجب علينا أن نكون شركاء مع هذه المؤسسة العتيدة وهذا الصرح القانوني والقضائي العادل.

صحيح أن النيابة العامة تمثل مؤسسة العدالة والقضاء، لكن في ذات الوقت هي منجز ديمقراطي بارز، وهي أحد أركان الدولة المتحضرة، فهي الشريك الفاعل إلى جنب المؤسسات الوطنية الأخرى تنفيذياً وتشريعياً، فلولا وجود هذا الصرح السامي لما ترسخت الديمقراطية بمفاهيمها المعهودة ولما عادت الحقوق إلى أصحابها ولا تعزز الاقتصاد وأخذت الحياة طريقها نحو البناء والجمال والهناء. فهي بمنزلة الماء من الجسم والمال في عروق الدولة.

النيابة العامة هي مؤسسة هامة من مؤسسات السلطة القضائية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عن أنشطتها في كافة الأنظمة الديمقراطية، ونظامها المعمول به في البحرين يماثل الأنظمة المعمول بها في الدول المتقدمة. وهي هنا دائما في تطور مستمر، فالتحديث والتطوير سياسة ناجحة في البقاء والوصول لمراتب التقدم والرفعة.

أخيرا، تأتي النيابة العامة ركيزة أساسية في دولة القانون، ومدماكا في بناء المجتمع المتحضر، وأداة رئيسة في منظومة العدالة القوية التي تعمل على حماية الحقوق والحريات، وترمي إلى تحقيق الاستقرار في ربوع المملكة.