في حوار لي مع رجل حكيم من ذاك الزمان القديم، قلت له أنتم جيل محظوظ فلم تواجهون صعوبة البحث عن العمل، ولم تتجرعوا كأس البطالة، أما شباب اليوم فحالهم يرثى له، لأنهم يعانون من صعوبة البحث عن وظيفة التي يكسبون من منها رزقهم، فزمانكم خير من زمان شباب هذا العصر.

فابتسم قائلاً: إيه يا بنتي، ذكرتني بقول الشاعر:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

هل تعلمين أنني لم أتقدم لوظيفة قط في حياتي، ولم أبحث عن عمل قط، ولم يكن مصطلح البطالة موجوداً في قاموس شباب أيام زمان، فنحن نكتسب سمات الرجولة قبل أن نصل لسن العشرين، وعلينا أن نبتدع طرقاً لكسب الرزق، لم أفكر قط بالوقوف على الأبواب واستجداء الوظيفة، فالشاب الذكي في زماننا لا يقبل على نفسه هذا الحال. فسألته: إذاً كيف حصلت على عمل، أجاب بقدرتي على الإقناع، أفكر في مشروع تجاري مربح، ثم أقابل التجار وأقنعهم ليسهموا في رأس المال، فيتشارك التجار في تأسيس المشروع بأموالهم، وأنا بجهدي وذكائي وطاقتي الشبابية، وقد نجحت في تأسيس مصرفين، وعدة شركات منها شركات تأمين، وشركات استثمارية، حتى بات التجار وأصحاب رؤوس الأموال يستعينون بي لإيجاد مشاريع استثماري ليستثمروا فيها أموالهم. فأصبحت أنا من أوجد فرص العمل للشباب ولا أطلبها.

قلت: أنت شخصية استثنائية، ولا تعتبر قاعدة، فنادراً ما ينجح الشباب في مثل هذه المشاريع.

قال مبتسماً: بل هذا شأن الشباب في زماننا، فهناك شباب أعرفهم بدؤوا عملهم بالعمل كبنائين للمنازل، ثم أصبحوا يستعينون بعمال يساعدونهم في البناء حتى أصبحوا من كبار المقاولين، وبعض الشباب يتجهون لاستيراد البضائع، فأعرف صديقاً سافر لإحدى الدول وبنى علاقة مع أحد مصانع أدوات الكهرباء، وبدأ في الاستيراد في هذا المجال، واليوم هو من أكبر تجار الأدوات الكهربائية. وبعض الشباب امتهنوا مهنة «الدلالة» أن يكونوا وسطاء لبيع وشراء العقارات، فهناك طرق مختلفة يتكسب الشباب منها الرزق. يا بنتي كنا نعتبر من يقف على باب المحلات يطلب الوظيفة أنه شاب قليل الحيلة، ضعيف الإمكانيات، لذا تأبى نفوسنا فعل ذلك. فتعلمت من هذا الحكيم أن ريادة الأعمال خير وسيلة لطلب الرزق، وأن طلب الرزق يحتاج لإبداع وشغف وقدرة على الإنجاز، هذا هو رأس المال الحقيقي لأي مشروع، فعقولنا هي التي تصنع ثروتنا.. ودمتم يا شباب سالمين.