إن كان البعض يظن بأن الحفاظ على الأمن مرتبط بشكل مباشر بالجرائم التقليدية التي نعرفها جميعاً منذ القدم، فإنه مخطئ تماماً.

اليوم تنوعت أشكال الجريمة، بل وتطورت بشكل خطير جداً، وباتت لا تحتاج محيطاً «فيزيائياً» لتتحقق، وأصبحت تدار بطرائق مخيفة بإمكانها إيصالها حتى لأبنائك الصغار، بل وتشكل خطراً عليهم دون أي احتكاك مباشر بمن يسعى لارتكاب هذه الجريمة.

هناك مصطلح باتت أساليبه تنتشر وتستشري بشكل يومي حول العالم، وهو ما يسمى بـ«الجرائم المستحدثة»، وهو مصطلح أشار له، معالي وزير الداخلية البحريني، الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب الأخير في تونس، بل أسهب فيه وأوضح للحضور خطورة هذه الجرائم، ومدى تهديدها لأمن المجتمعات وتحديداً استهدافها الصريح للنشء الصغير والأطفال.

فصل وزير الداخلية الأنواع وحددها، إذ بين بأن الواقع الخطير الذي شهده مسرح العمليات في العقد الماضي هو التحول من الجرائم التقليدية إلى الجرائم المستحدثة، وذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتطويعها بشكل إجرامي لاستهداف أمن المجتمعات وتهديد الأمن السلمي والتأثير على الأطفال ودفعهم للوقوع ضحية لهذا الاستهداف السيبراني، أو التأثير أقلها على سلوكياتهم وزعزعة عادات مجتمعاتهم وتقاليدهم وحتى تعاليم دينهم.

من ضمن أنواع هذه الجرائم، تهديد الأمن القومي عبر الهجمات السيبرانية، وكذلك تطويعها في ضرب الاقتصاديات، واستهداف الجيل الشاب عبر المنصات الإلكترونية سواء من خلال الألعاب التي تجذبهم وفيها يتم دس الكثير من السموم بهدف تغيير معتقدات وعادات، أو الدفع باتجاه العنف وارتكاب الجريمة، ناهيكم عن استخدامات التكنولوجيا في استهداف السلم الأهلي وسيادة الدول عبر استخدام الطائرات المسيرة أو عمليات التهكير واقتحام المنصات الرقمية الرسمية.

وزير الداخلية أكد على نقطة بالغة الأهمية، فيها يبرز الدور المطلوب بقوة لكل أجهزة الأمن، وذلك عبر تغيير العقلية النمطية والتحول من وضعية اتخاذ إجراءات للتصدي والتعامل مع وقوع هذه الجرائم، إلى الوضعية الاستباقية واتخاذ كافة الإجراءات والتحصينات المدعومة بالتشريعات والقوانين لحماية المجتمعات عبر التوعية وبيان خطورة هذه التهديدات، وعبر التشديد في حماية الطفل بالذات، وهو ما بادرت بفعله مملكة البحرين عبر وزارة الداخلية بإنشاء وحدة حماية الطفل في الفضاء الإلكتروني.

هذا الموضوع الهام والحساس الذي أشار لخطورته وأهميته معالي وزير الداخلية البحريني، يمكن بسهولة رصد مؤشراته اليوم في كل بيت، وتحديداً في كل الوسائل التكنولوجية التي يستخدمها أبناؤنا، خاصة الألعاب الإلكترونية التي تبدو في ظاهرها «بريئة» وإنشاؤها لمجرد التسلية والترفيه، لكن في طياتها «ألغام» خطيرة لو تركت دون رقابة، سيكون طفلك ضحية لها، خاصة تلك التي تتضمن مشاهدَ مخلة أو مقاطعَ تضرب في المبادئ والأخلاقيات والدين، أو تلك التي تتيح فيها خاصية التواصل مع الغرباء، وتمنحهم سهولة التواصل مع الأطفال وتوجيههم وسحب أية معلومات خاصة يطلبونها.

إيجابي جداً ما قامت به وزارة الداخلية البحرينية لأجل حماية مجتمعنا وأطفالنا، لكن هذا لا يتكامل إلا عبر إدراك أولياء الأمور لخطورة هذه «الجرائم المستحدثة»، وكيف أن عليهم مسؤولية يتحملونها بشأن حماية أبنائهم وتوعيتهم والحفاظ عليهم، لأن بترك الأمور قد يحصل ما لا يحمد عقباه، أو الاعتماد فقط على جهود الدولة عبر وزارة الداخلية. هذه رسالة توعوية هامة من قبل وزير الداخلية، نشكره عليها، ونقدر حرصه على مجتمعنا وأبنائنا، ونتمنى أن تصل لإدراك كل مواطن مسؤول عن أمن عائلته وبيته وكذلك أمن مجتمعه.