يقصد بالواقف الذري هو أن يحبس صاحب المال شيئاً من ماله كأن يكون مسكناً أو مزرعة أو بئر ماء أو غيرها من الأعيان لينتفع منها أقاربه وذريتهم، فيحبس الأصل ويسبل المنفعة. ويحدد الواقف في وثيقة الوقف من ينتفع به من ذريته كأن يقول ينتفع من ثمر هذه المزرعة أو من ماء هذا العين أو من السكن في هذا الدار أبنائي الذكور أو الذكور والإناث، أو يجعل الأولوية في الانتفاع للمحتاج من أبنائه، أو للمعاقين منهم أو العاجزين عن كسب الرزق، أو أن يكون ريع استثماره لسد كلفة الدراسة، ثم ينتقل الواقف لمرحلة ثانية فيحدد الجيل الذي يليه فيحدد المنتفع من أحفاده، وأبنائهم وهكذا حتى نهاية ذريته.

وعلى الواقف أن يحدد متولياً أو مديراً للوقف وينص عليه في عقد الوقف كأن يقول ويدير هذا الوقف ابني الأكبر ثم الذي يليه، إذا يتولى متولي الوقف صيانته ورعايته، ويحدد المستحقين من الأبناء للاستفادة منه بحسب ما ورد في عقد الوقف، ويجوز لمتولي الوقف استثماره سواء عن طريق الإيجار، أو أن يضارب به أو أي نوع من أنواع الاستثمار ثم يقوم بتوزيع ريع الوقف الذي على الموقوف عليهم الواردة أسماؤهم في عقد الوقف الذري. وهذا ما يسمى بالوقف غير المباشر

ويعتبر الوقف الذري حماية لمستقبل الأبناء والأحفاد، فالولدان لديهما مشاعر الأمومة والأبوة فحب الأبناء وتفضيل الأبناء على النفس والإيثار لهم فطرة طبيعية، وهذا الشعور يدفع أحد الوالدين إلى أن يؤمّن لعائلته وذريته مورداً ثابتاً، ضماناً لمستقبلهم، ودعمهم عند الحاجة والعوز، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس بأيديهم». فالآباء يحرصون على توفير حياة كريمة للأبناء ويكون هذا هدفهم الرئيس في الحياة، بل إنهم يخططون لتأمين الحياة الكريمة لأبنائهم حتى بعد موتهم، وتلك فطرة طبيعية لدى الإنسان. وتجد بعض الآباء في بعض العائلات يحرصون على وقف مبانٍ للأبناء جيلاً بعد جيل حتى تتجمع هذه الأوقاف لأبناء العائلة من أوقاف أجداد مختلفين، وتشكل هذه الأوقاف في مجموعها ثروة يستفيد منها أبناء العائلة، فالوقف الذري وسيلة لحفظ مستقبل الأبناء جيلاً بعد جيل، ولكن يجب على الأبناء حسن إدارة العقارات التي أوقفها آباؤهم ليستفيدوا منها بأفضل الصور، فالوقف الذري مصدر أمان للأجيال، ودمتم أبناء قومي سالمين.