الذريعة الأمريكية الدائمة التي كانت تطبق قبيل شن أي حرب، أو «غزو»، سموه كما تحبون، هي ذريعة «المسارعة لنجدة الآخرين» عبر تقديم «مساعدات» تنقذ هذه البلدان وأهلها. إنه «الحلم الأمريكي» الذي يختلف عن «حلمهم الداخلي» الذي يبحث عنه المهاجرون والوافدون؛ إذ هو «حلم موعود» لمن هم في الخارج من شعوب، يتم إيهامهم بأن الواقع أفضل لو جاء «البيت الأبيض» بجيشه على أعتاب أبوابهم، ولو دخل بلدانهم بحجة «المساعدة».

مدير معهد التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا البروفيسور جيفري ساكس يقول: «طوال حياتي وأنا أرى الولايات المتحدة تساعد في فيتنام وكمبوديا ولاوس والعراق وسوريا وليبيا، فأي نوع من المساعدة هذا الذي ينتهي بتدمير البلاد؟!».

وبمزيد من الإمعان في كلام ساكس، ستجدون بالفعل أن الدول التي سعت الولايات المتحدة لمساعدتها، أو بالأصح للتدخل في شؤونها أو إرسال جيوش لها للسيطرة على أوضاعها ومقدراتها، انتهت بتدمير هذه الدول ودفع شعبها ليدخل مراحل موغلة من المعاناة.

تخيلوا أنهم ساعدوا اليابان وشعبها ليتركوا عنهم التسلح والأمور العسكرية، وحتى يركزوا على الاقتصاد ويصبحوا قوة عالمية لا تضاهى، تخيلوا ساعدوهم لبلوغ هذه المكانة عبر قصفهم بقنبلتين ذريتين أبادتا وقتلتا عشرات الآلاف.

تخيلوا أنهم ساعدوا العراق لإزالة صدام حسين، فنهبت أموال العراقيين، وضاع نفطهم، وضاعت قوة بلد عربي عتيد، وأصبح مرتعاً لميليشيات إيران وداعش والقاعدة وغيرها من الأذرع التي تتحكم فيها إيران. إيران التي لم تهزم العراق في حربها المباشرة معها مطلع الثمانينات، لكنها ابتلعت العراق ابتلاعاً بفضل الأمريكان.

الشواهد كثيرة طبعاً ولا نهاية لها، تلك التي تثبت بأن «التدخل الأمريكي» تحت ذريعة «مساعدة الشعوب» لا ينتهي إلا بدمار شامل لتلك الشعوب، أو ضياع لسيادة الدول وانهيار لاقتصادها، وتحولها إلى «شبه دولة»، ومن ثم بعد انتهاء «اللعب الأمريكي» يكون الانسحاب وتترك الشعوب لتعاني لعقود وعقود.

يقول البروفيسور ساكس إنه منذ عام 1992 تعتقد المجموعة المهيمنة على السياسة الأمريكية بأن أمريكا هي القوة العالمية الوحيدة، وعليه فإنها من يجب أن «تدير العالم»، وعلى هذا الأساس يعمل «البيت الأبيض»، مع الوضع في الاعتبار بأن الهدف الرئيس مما تفعله الولايات المتحدة اليوم في بعض المناطق هدفه «عدوّان اثنان» تعتبرهما الأولوية في عملية التقويض والردع، الأول روسيا التي تمتلك 1600 رأس نووي، أي أنه من الجنون التفكير بمجرد هزيمتها، بحسب ساكس، والثاني هو الصين التي لم تختبر بعد أمريكا قوتها لو غضبت.

كلام البروفيسور ساكس في شأن الحرب الأوكرانية القائمة واقعي جداً، إذ يقول بأنه نبه الأوكرانيين من خطورة التورط في «حرب بالوكالة» عن الولايات المتحدة لمجرد «مناوشة» روسيا، إذ في النهاية هل يريدون مصيراً كأفغانستان؟!

تخيلوا هنا أن خبيراً أمريكياً يحذر الأوكرانيين مما سيفعله بهم الساسة الأمريكان في نهاية المطاف، إذ من الاستحالة هزيمة روسيا بحرب بالوكالة، فالنتيجة المحتومة خروج أمريكي تدريجي من الصورة، وترك أوكرانيا لتتحول إلى أفغانستان أو العراق أو أي دولة أخرى أنهكتها حرب لا مصلحة لها فيها.