لن أغوص في أعماق التاريخ عن كيف برزت فكرة وطن لليهود في فلسطين العربية، دون تحديد حدود جغرافية لهذا الوطن، لكن لنبدأ من وعد بلفور رئيس الوزراء البريطاني، وما سبقه في «بازل» للتجمع اليهودي العالمي بتحقيق ذلك الهدف مع أن الحلفاء عرضوا عليهم أماكن أخرى فكانت أول خطوة التي تم الاتفاق عليها سراً، أن العقبة الكبرى تكمن في الخلافة العثمانية التي تهيمن على معظم الدول العربية في المشرق والدول التي في شمال أفريقيا، فكان الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا تحريض تلك الدول للانتفاضة ضد العثمانيين، وسُميت الثورة العربية الكبرى للتحرير والانعتاق من الحكم العثماني.

هذا هو الظاهر، وما في الباطن لدى بريطانيا وفرنسا الاستيلاء على الدول العربية في الشرق وشمال أفريقيا وتقسيمها دويلات لا حول لها ولا قوة، ولا يجمعها جامع، ومن ثم ومن بعد تنفيذ ذلك القرار الجائر وفصل المشرق العربي عن المغرب العربي، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ليأتي في المقدمة، أن فلسطين هي الوطن لليهود الموجودين في أنحاء العالم. وفعلاً انكشف الغطاء، وفتحت الموانئ البحرية الفلسطينية لاستقبال السفن التي تقل يهود أوروبا وغيرهم، تحت حماية جنود الانتداب دون هويات أو جوازات، واستولى هؤلاء على الساحل الفلسطيني من جنوب لبنان إلى غزة التي بقيت بيد الفلسطينيين، خاصة بعد حرب 1948، إذ بقيت تحت الإدارة المصرية، في الضفة الغربية التي ظلت تحت الإدارة الأردنية.

بعد حرب 1956، واستيلاء حكومة إسرائيل على غزة وسيناء والضفة الغربية ثم خروجها من تلك الحدود بقرار أممي بعد حرب 1967، ولإنهاء هذا الصراع تقرر تقسيم فلسطين إلى دولتين متجاورتين تعيشان بسلام على حدود حرب 1967.

بالنسبة إلينا نحن البحرينيين ومنذ حرب 1948 كنا ولا زلنا قيادة وشعباً نؤمن بالقرار الأممي المشار إليه سابقاً ثم المبادرة العربية لحل هذه المأساة الإنسانية بين الدولة الفلسطينية ودولة إسرائيل، وحقن الدماء ووأد الصراع الذي لا فائدة منه، وبقاء الحال على ماهو عليه سيزيد الطين بلة، وتشتد الحروب ضراوة، فلا حرب ولا سلام، في خسائر إنسانية وعدم استقرار وصرف أموال طائلة كبيرة، فكانت المبادرة الملكية الشجاعة الدالة على الحكمة والنظرة القريبة والبعيدة من لدن مليكنا المعظم حفظه الله ورعاه، وهي إقامة العلاقات مع دولة إسرائيل على حدود ما قبل حرب 1967.

وهذا القرار الشجاع حق سيادي لجلالته حفظه الله ورعاه، وقد سبقتنا إلى هذا القرار دول عربية أخرى.

مما يظهر للعالم أجمع أن الدول العربية والإسلامية والدول المحبة للسلام والعدل والإنصاف يجب أن تتخذ من مبادرة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم منهجاً لحل الدولتين دون تسويف أو إبطاء وبناء عالم خالٍ من الحروب والنزاعات والكراهية، ونشر مبدأ التسامح والسلام بين الشعوب، والمسؤولية تقع على الدول الكبرى التي تملك حق النقض. إن ما يحدث حالياً في نابلس وحواره من جانب دولة إسرائيل لا ينبئ بأن لدى إسرائيل النية الصادقة لقبول مشروع السلام على أساس حل الدولتين حسب قرار الأمم المتحدة على حدود حرب 1967.