عندما سُئل أحد المُدربين خلال لقاء إذاعي في إذاعة القرآن الكريم بالسعودية عن «الأُثر» فأجاب: «إذاعتكم قد صنعت الأثر الطيب في العالم كله، فالأثر الطيب في مسيرتك في حياتك من خلال الإرث الذي يبقى بعد مماتك، فالأثر الجميل يحدد مكانتك في قلوب من حولك ويُعد من الإحسان، أو أثر الإنسان في نفسه وفي بيته وفيمن حوله». لفت نظري في الأمر مقولة «إذاعتكم هي من صنعت الأثر في العالم». عندما أتحدث عن ذلك فإنما أتحدث عن مشروع «الأثر الجميل» الذي يجب أن يُبنى في نفس كل مسلم يعشق التحدي في هذه الحياة، ويعشق أن تكون منزلته «الفردوس الأعلى» من الجنة. كلما فكرت في كتابة سطور مقال جديد كلما جرتني الكلمات للحديث مُجدداً عن «الأثر الجميل» أو «الإحسان» التي يجب أن يكون في جميع مناحي حياتنا وفي كل خطواتنا في المسير.

في كل يوم من أيام الحياة ومع كل «نفس جديد» تتجدد ملامح النفس في محطات جديدة تصنع فيها الأثر، وكل فرد أياً كان عمره، عليه أن لا تمر عليه اللحظات دون أن يكتب فيها سطوراً جديدة من الأثر، ويدعو مع كل محطة دعوات العافية «اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة». فأثرك يجب أن تبنيه أولاً مع ذاتك وإيمانك الوثيق بالله عز وجل، فلا تكن علاقتك فاترة تقتصر على ركيعات الصلوات فحسب، بل تمتد لتشمل الإخلاص وابتغاء الأجر في كل حركات وسكنات الحياة. علاقة أثر إيماني جميل لتكون من خلاله قدوة لأسرتك أولاً ثم للآخرين من خلال ما تقوم به من عبادات جليلة عميقة الأثر.

وعندما يتسع مفهومك للأثر لجميع علاقاتك فإنك تسعد بمحطات البهجة مع من تُحب لتصنع معهم صورة مكتملة الأثر الجميل، فلا تترك اللحظات الجميلة تذهب سدى دون أن تصنع فيها أثراً في نفوس من حولك، وبخاصة لو كنت صاحب مشروع أو فكرة استطعت تنفيذها على أرض الواقع، حينها كن أنت الذكرى الجميلة في حياة كل عضو ساهم معك في النجاح، حتى تترك في نفسه أثراً ممتداً مدى الحياة.

تذكر دائماً بأنك تجهز لأثر جميل للحظات حتمية ستأتي لا محالة، ليوم تفارق فيه هذه الدنيا، وتحتاج حينها إلى دعوات المُخلصين والمُحبين حين تُوارى التراب، ولزمن قادم آخر تحتاج فيه إلى من يدعو لك بما صنعته من تأثير في حياتهم. ثق بأنك ستسعد دائماً بكل أثر إيجابي جميل تقوم به في حياتك، ولو بكلمات بسيطة تكتبها في سطور هاتفك، فترسلها إلى نفوس تعشق أثرك، وقد تصل يوماً ما إلى نفوس لا تعرفك، بل عرفتك بحروف مؤثرة ساهمت في تغيير حياتها إلى الأجمل، فقررت حينها أن تكون «جمالاً في الحياة» ومشروع أثر لكل من تصاحب وتقابله في مسير الخير.

لقد تركت «النملة» أثراً سعيداً في نفس سيدنا سليمان عليه السلام «فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ..». أثر السعادة ثم أثر الدعاء وشكر المولى تعالى على نعمه. وترك «الهدهد» الأثر الدعوي والإيجابي في نفس سيدنا سليمان عليه السلام «فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين». فبادر ليمهد الطريق لإسلام «بلقيس». أما رسول الأمة صلى الله عليه وسلم فقد كانت حياته كلها الأثر الجميل في حياة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، بل الأثر في حياتنا جميعاً، فحياتنا اليوم هي مشاعر وأحاسيس وسنة نهتدى بها في حياتنا لنسير في طريق الصلاح والهداية.

حرصك على أن تكون أثراً إيجابياً جميلاً في الحياة، هي السعادة الحقيقية التي ستعيشها داخل نفسك أولاً قبل أن تعيشها مع الآخرين، واحذر بأن لا تترك أي صورة سلبية أو أذى أو بظلم تلحقه بالآخرين، وبخاصة مع أولئك الذي تغربوا عن بلادهم طمعاً في كسب الرزق، فهم أولى من غيرهم بأن تودعهم وقد تركت في نفوسهم أجمل الأثر.

ومضة أمل

جمال نفسك بأثرك الأجمل.