في نهاية المطاف لا بد من أن تمرر الميزانية العامة للحكومة؛ لأن تأخرها يؤثر بشكل مباشر على العمليات في كل قطاعات الدولة. بالتالي «التوافق» بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذا الأمر مطلوب تماما، بغض النظر عن التباينات، والتي يمكن أن تحل بشكل منفرد.

في السابق كانت تتأخر الموازنات لأن هناك سجالا يطول بين الجانبين، ولأن هنالك أوراق ضغط من كلا الطرفين توضع على الطاولة، ويستمر النقاش بشأن «الممكن وغير الممكن» حتى نصل إلى صيغة توافقية تنهي الأمور، لكن في النهاية تكون أمور عديدة تعطلت في الوزارات والدوائر الحكومية، حتى إن التأثير يطال ترقيات الموظفين وحوافزهم وغيرها.

لذلك إنهاء ملف تمرير الميزانية بشكل سريع لكن بطريقة مدروسة ونموذجية أمر مطلوب. في المقابل مناقشة الأمور المرتبطة بها والتي تمس المواطن مباشرة أيضا أمر مطلوب، ويجب أن يتم بطريقة «الممكن تحقيقه» أو «المكسب المتاح»، وهو ما يجعل مطالب الناس وتطلعاتهم معياراً أساسياً يجب أن يؤخذ في الاعتبار، ويجب أن يعمل لأجله وفق متطلبات المرحلة والظروف المؤثرة.

وهنا لن نخوض في التفاصيل؛ لأن جميع الأطراف أسهبت فيها، ولأن الجميع يتفق أن «الطموح أعلى»، لكن الحديث بشأن عدم فرض أي التزامات على المواطن تؤثر على قدرته الشرائية أو معيشته هو المهم. في الجانب الآخر الحديث لا بد من أن يكون بشأن ما يمكن تقديمه من تسهيلات لا تفرض مصاريف وأعباء أكبر، بل عبر الخدمات التي تسهل على الناس أكثر، ويمكن التفكير بشأن تخفيض بعض رسومها أو إعفاؤها إن لم تكن مداخيلها مؤثرة وتشكل فارقا كبيرا. وهنا الأمر في التقدير لدى المعنيين الذين يمتلكون الرؤية الأشمل بشأن الوضع المالي العام.

هناك بالتأكيد خيارات، لكن بعضها بحكم الظروف صعب بل مستحيل التحقق، لذلك النجاعة تكون عبر وضع خيارات يمكن تحقيقها وتجلب الرضا لدى غالبية الشرائح وتمثل لها تأثيرا ملموسا، أقلها ليكون هناك تحسن بدل الثبات أو التراجع أو التقشف.

ندرك تماماً أن هذا الملف صعب ومتشعب ولا يمكن إدارته بسهولة، وندرك تماماً أن التحدي الموجود أمام الحكومة يتمثل في ضمان ديمومة الحراك الحكومي وضمان استقرار المجتمع وعدم تأثر الناس. بالتالي حينما تُطرح حلول بديلة توفر على الناس مصاريف زائدة فإنها تكون حلولا مقبولة، بالأخص ما يرتبط بمحاربة غلاء الأسعار وضبطها، وإعادة توجيه الدعم بشكل صحيح، وإيجاد إيرادات تعزز الدخل القومي.

ما رأيناه يتمثل في أن هناك عملاً وسعياً لتحقيق أمور إيجابية أكبر رغم صعوبة الظروف، وهناك آراء متباينة بين الجميع في ظل احترام عمل الجميع، طالما أن الجميع يتحدث عن مصلحة الوطن والمواطن. وهنا يظل التحدي والحديث دائماً بشأن «ما الذي يمكن فعله أكثر» لنحسن من الأوضاع الاقتصادية، بالتالي تتحسن كافة الأمور وعلى رأسها أمور المواطنين؟!

مثلما تحدثت الأطراف المعنية بتفاؤل وأمل، نأمل أن تنجح الجهود في تحقيق إيرادات ومداخيل تعزز الدخل القومي، وتكون بالتالي طريقاً لتحقيق رضا المواطن وتلبية تطلعاته بكل أريحية ودون تداعيات مقلقة.