في الأسبوع الماضي التقيت بامرأة في منتصف الأربعينات تعاني من أحد أنواع الاكتئاب الحاد. هي تتعاطى الكثير من العقاقير والإبر المعالجة للاكتئاب، وتضطر في أحيان كثيرة إلى المكوث شهراً أو أكثر في المستشفى تحت العناية والمراقبة. تقول لي إنها لم تكن مكتئبة في طفولتها أو صباها. ولكن بتفاقم المشكلات مع زوجها ومع ولادة طفلتها الثالثة انجرفت فترة النفاس إلى اكتئاب حاد أثر على مجريات حياتها إلى اليوم.

والتقيت كذلك في الأسبوع نفسه برجل يواجه صعوبات في عمله قد تصل به إلى الفصل من الخدمة. وسبب ذلك تفاقم المشكلات بينه وبين زوجته وتمدد وتيرة المشكلات لتصل إلى باقي أفراد العائلة. لتنتهي بالطلاق والجري والمشاحنات في أروقة المحاكم وأقسام الشرطة. ضغوطات العمل والأسرة أدت بهذا الرجل إلى اللجوء إلى المسكرات والتورط في قضايا وأزمات أخرى.

الرجل والمرأة اللذان التقيتهما يمثلان نموذجاً واضحاً للهشاشة النفسية التي تدمر ذات صاحبها وتودي بمصيره إلى المجهول، أو الهلاك المحتوم.

لماذا نسقط في الهشاشة؟ هذه المرة، وعلى غير عادتي، كي أجيب عن السؤال لن ألجأ إلى غوغل وملفات الـPDF للعثور على دراسات موثوقة حول الموضوع. سأستعين بذاكرتي وتحليلها للشخصيات العديدة المنكسرة التي قابلتها. وأفترض جدلاً أن أغلب من قابلتهم من ذوي الهشاشة والمنكسرين كانوا يعانون من نقص شديد في الأنانية. هذا لا يعني أنهم كرماء أو مثاليون. ولكنهم كانوا دائماً بحاجة إلى الآخر. إلى الأم والأب، الإخوة، الحبيب، الزوج الأبناء، المدير في العمل، الصديق. كانت أغلب انكساراتهم سببها معاركهم الخاسرة لكسب الآخر. لم تكن أرواحهم تجد لنفسها معنى بمفردها، ولا تكتمل شخصياتهم بدون الآخر. لم يكونوا قادرين على العثور على مؤشر لعبور طرقات الحياة لوحدهم. مما جعلهم يقدمون التنازلات تلو الأخرى، ويخفضون أسقف الرضا مراراً حتى انهار المبنى بالكامل على رؤوسهم.

والمسألة هنا ليست ضعفاً في الاستقلالية، بل نقصاً في الأنانية. لأننا تحتاج أحياناً لتعيش لأجل أنفسنا حتى ونحن محاطون بجموع غفيرة من الأهل والأصدقاء.

في المقابل، فإن أغلب الشخصيات القوية والمتسلطة التي قابلتها تتمتع بقدر هائل من الأنانية. إنهم يُسَخِرون الآخرين لخدمتهم فقط. ويتصرفون بنرجسية عالية، ويبدلون الأصدقاء ومواقع العمل، وليس لديهم أدنى مشكلة في التخلي عن أي فرد من الأسرة أياً كانت درجة القرابة، أو نوع العاطفة معه.

وما بين الهشاشة والصلابة التي تصل حد الصلافة نقطة مركزية تشدنا إليها وتحدد وجهتنا، ومسافة من التنازلات والخسارات لابد منها لنصل لنقطة الجذب. وكثير من ذوي النفوس الهشة لا يحتملون خسارة فرد أو التنازل عن أمر، فيتعثرون كثيراً في طرقاتهم. ويسقطون مراراً. ومنهم من يتمكن من العبور بكم متفاوت من الجروح. ومنهم من يصاب بكسور كبيرة تعيق باقي حركته. أو تسبب له الشلل الكامل.