فجعت أمتنا في الأسبوع المنصرم بحدثين عظيمين اهتز لهما العالم من هول وقعهما وبشاعة المناظر التي خلفها كل من الهزة الأرضية التي ضربت مناطق مأهولة بالسكان في الجنوب الغربي من مدينة مراكش في مغربنا العربي الشقيق، ولم نكد نستفيق من هول تلك الصدمة لنصبح على خبر فاجعة الإعصار والطوفان الذي اجتاح مدينة درنة (إعصار دانيال) في الجانب الشرقي من دولة ليبيا الشقيقة. ويعجز اللسان ويتسمر القلم عن توصيف حجم الدمار وقد نقلت بعضاً منه الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.

وما يلفت النظر في وقوع الهزات الأرضية وارتداداتها هذه الأيام أنها تقع في مناطق غير مصنفة بمنطقة زلازل!

وفيما يتعلق بتفادي هذه الهزات والتنبيه بوقوعها قبل فترة مريحة فما زال العلم الحديث كطفل يحبو أمام هذا التحدي ورغم التقنية المتطورة لكن عجز العلماء سوى تسجيلهم بعض الظواهر قبيل وقوع الهزة بدقائق معدودات وتسجيلهم قوة الهزة على مقياس ريختر، ويبقى ما يجري في طبقات الأرض وقشرتها خارج نطاق سيطرة البشر.

أما موضوع الأعاصير والفيضانات فبالرغم من كونها كوارث طبيعية كذلك لكنه يسجل أن هنالك تقصيراً فنياً من قبل الأنظمة والحكومات والتي تساهم في وقوعها، وخاصة تلك الدول التي تحيط بها الخزانات المائية الضخمة والسدود القديمة والتلكؤ في صيانتها كما حصل من انهيار للسد في مدينة درنة الليبية والذي ساهم في الدمار مع قوة الإعصار، وبعضها خارج عن الحاجة الفعلية وهي تستخدم كورقة ضغط سياسي على دول المصب مثلما تتبعه إيران بالضد من العراق، وإثيوبيا بالضد من جمهورية مصر العربية في إصرارها على ملء سد النهضة، ولا نستثني تلك المدن التي تشاطئ البحار دون الأخذ بنظر الاعتبار موضوع الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وتدخل البشر بالتغيير في طبوغرافية الأرض من إجراء التجارب النووية والصاروخية والحفريات والدفان والبناء بعيداً عن الدراسات والتوصيات.

لنضع جانباً كثرة التحاليل والأقاويل عن أسباب وقوع هذه الكوارث وهل هي طبيعية أم بتأثير خارجي وفعل فاعل فنحن اليوم أمام كارثة إنسانية تعجز كلتا الدولتين الشقيقتين عن تحمل تداعياتها، وهما أمام مخاطر جمة من التلوث البيئي وانتشار الأوبئة جراء تناثر الجثث والأشلاء وتدمير شبكة المياه والصرف الصحي والمجاعة والأمراض المعدية رغماً عن الجهود الجبارة التي تبذل من قبل فرق الإنقاذ والجسر الجوي لتدفق المساعدات من أغلب دول العالم وتتصدر القائمة دول مجلس التعاون الخليجي، وأخذ المبادرة من قبل قيادتنا الرشيدة في مملكتنا العزيزة السباقة في نجدة الأشقاء بل حتى الدول والشعوب الصديقة.

على الجانب الآخر هنالك تقصير في الحشد الدولي لمساندة ليبيا الشقيقة في نكبتها التي تفوق تداعيات الهزة الواقعة في المغرب الشقيق، حيث إن بعض الدول والأنظمة أحجموا عن تقديم المساعدة الإنسانية وبعضها مخجل، وآخرون اكتفوا بإصدار بيانات وبرقيات تعزية وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء!!

وربطوا إحجامهم دون تصريح منهم بمواقفهم السياسية من نظام الحكم فجناح يتعاطف مع حكومة بنغازي بينما يتعاطف بعضهم مع حكومة طرابلس والله المستعان!

وأصموا آذانهم عن نياح الثكالى وبكاء الأيتام الذين يتضورون جوعاً وهم في العراء، وأشاحوا بوجوههم عنهم وتناسوا توجيه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

لا بل أن بعضهم ذهب إلى أن ما وقع في ليبيا الشقيقة هو عقوبة ربانية!!

ما هذا القلب المتحجر؟

فليس من الإنسانية ولا من الرحمة ولا من الأخلاق أن أشاهد أخاً لي وقد فجع في أهله وماله وولده وقد دُمر مسكنه لأصد عنه لأنه يخالفني في المذهب والمعتقد أو هو من قومية غير قوميتي أو من دين غير ديني أو من قبيلة غير قبيلتي.

صدقوني إن ما أصاب الشقيقتين ليبيا والمغرب العربي اليوم في وسط هذا العالم المليء بالبغضاء والمكر والخداع من الممكن أن يصيب أي شعب ودولة.

ما أصاب بني جلدتكم درس بليغ فتكاتفوا وهلموا لنجدتهم قبل فوات الأوان.

وتذكروا المثل العربي:

فإنما قد أُكلت منذ أن أُكل الثور الأبيض.

وأخيراً: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسّرن آحادا.