لدينا قضية يجب أن يُعاد تسميتها وتصنيفها تخص وضع الأجانب «خاصة الآسيويين» في البحرين، وذلك من أجل أن نتعامل معها بشكل مختلف، فالتسميات تفرض علينا أو على الأقل توجهنا إلى إجراءات تختلف باختلاف المسميات، ونخص الآسيويين لسببين ليس من بينهما أي نظرة عنصرية أبداً، إنما لأن أعدادهم كبيرة، والسبب الثاني سنعرفه من الخبر التالي، حيث بلغت خطورة وضع هذه الأعداد مبلغها، مما يُحتّم علينا أن نتعامل بجدية مع الوقت في معالجتها، وإعادة تصنيف أساليب وطرق معالجتها «بالفساد»! فما نقوم به لن يعالِج حتى سفح جبل الجليد الظاهر، وعمقها أصبح يضرب في العظم.

الخبر أن مجموعة من البرلمانيين الآسيويين قدّمت الأسبوع الماضي مشروع قرار في «الجمعية البرلمانية الآسيوية» يقضي بتوطين العمالة الآسيوية في الدول الخليجية باعتبارهم مهاجرين، وذلك خلال اجتماعها الأخير، وتلك لم تكن المحاولة الأولى فهذا الطرح يتجدد بين الفينة والأخرى.

صحيح أن وفدنا البرلماني تصدّى لهذه المحاولة مع بقية الوفود الخليجية والعربية، لكنه تصدّى بشكل مؤقت وتمّ تأجيل القرار واقترحوا على البحرين تقديم مقترح آخر يصون حقوق تلك العمالة ويصون في ذات الوقت المصالح الاستراتيجية للدول المعنية أي دولنا «انتهى الخبر».

هل عرفتم لماذا نريد اعتبار أساليب معالجة وضعية الأجانب بالفساد؟ لأن الحلول والمعالجات التي نقوم بها إلى الآن لا ترقى إلى حجم المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وها هي التهديدات أطلّت برأسها من جديد، ونحن مازلنا نقدّم مسكّنات لا تحرّك الجبل الكبير.

طيّب وإن لم يمرر مقترح البحرين؟ وإن تم التصويت على مقترح التوطين؟ هل وصلنا إلى هنا؟ إلى إجبارنا على توطين الأجانب عندنا رغماً عنا؟ صحيح أن قرار الجمعية الآسيوية ليس ملزماً لنا لكنه يُعدّ تهديداً خطيراً لنا في ذات الوقت، حيث ستستند إليه الحكومات الآسيوية التي نتعامل معها تجارياً ودبلوماسياً، ولن تنتهي القصة وستستمر خطراً وسيفاً على رقابنا، مرة يأتي التهديد من الحكومات الآسيوية، ومرة من برلماناتها، ومرة من غرفها التجارية، والقائمة تطول، وما ذلك إلا لأننا تهاونا ومازلنا لا نعي خطورة هذا الوضع رغم التحذيرات التي تُطلق منذ أكثر عشرين عاماً بأن ننتبه إلى خطورة هذا الطوفان على مجتمعاتنا، أمنها وسلامتها وتركيبتها السكانية واقتصادها المستنزف عبر تلك التحويلات التي تنقذ اقتصاديات تلك الدول وتستنزف ما يقارب من 20% من دخلنا، في البحرين هناك مليار دينار تحويلات سنوية، أي ما يعادل نصف ميزانيتنا السنوية، هذا استنزاف لجهدنا ولتعبنا ولمواردنا، من يستفيد منه؟

إن كان تأخر معالجتنا واختيارنا لهذا الأسلوب البطيء بسبب مراعاة أفراد فهذا فساد، وإن كان اختيارنا لهذا الأسلوب البطيء تأخراً وإهمالاً فهو أيضاً فساد.

ما نفعله إلى الآن مجرد مسكّنات وتكتيكات لا تتناسب أبداً مع حجم الذين يجب تسفيرهم من البلد، ولا تتناسب مع خطط زيادة العمالة الوطنية وتأهيلها وتدريبها، نحن نعالج أعداداً محدودة تضبط من المخالفين بالمئات، إنما أمامنا عشرات الآلاف، بلغت بعض التقديرات إلى وجود أكثر من 80 ألف مخالف، هذا عدا من يملكون الرخص من مؤجري السجلات والأعداد التي تعمل بشكل شرعي، إنما في أعمال لا تحتاج إلى مؤهلات، نحن نتكلم عن 52% من التركيبة السكانية يبلغ عدد الوافدين ما يقارب 900 ألف أجنبي في البحرين، أي أننا أصبحنا أقلية في وطننا، «آخر إحصائية للجالية الهندية كانت قبل عامين صرح بها السفير الهندي أن في البحرين 320 ألف هندي»، «المصدر تصريح على موقع السفارة الهندية في البحرين»، و«يبلغ عدد البنغلاديشيين في البحرين 160 ألف بنغلاديشي»، «المصدر إحصائية هيئة تنظيم سوق العمل».

فلا عجب أن تُطالب دولهم بتوطينهم، ولا عجب أن تبلغ تحويلاتهم مليار دينار سنوياً، وما نقوم به إلى الآن هو تأجيل يليه تأجيل، وبقاء المشكلة دون حلّ يُعتبر فساداً، فالفساد ليس بالضرورة أن تسرق مالاً «كاش»، إنما يمكن أن يكون الإهمال والتباطؤ في معالجة الأخطار في وقت تنتفع فيه مجموعات بسيطة على حساب مصلحة البلاد.