قد تستغرب عزيزي القارئ من عنوان مقالتي اليوم؛ ولكنها في الحقيقة أحداث سجلها التاريخ لمناسبة ما يعرف بـ«الجمعة السوداء»، أو ما يطلق عليه في منطقتنا العربية بـ«الجمعة البيضاء»، حيث تساهم الحشود والفوضى التي تترافق مع الإعلان عن التخفيضات السنوية بوقوع أحداث خطيرة، وصلت بعضها إلى الموت.

فكرة إطلاق «الجمعة السوداء» كانت بسبب حالة الركود الكبير الذي أصابت الاقتصاد الأمريكي وتسببت بأزمة مالية حادة في العام 1869، فكان الحل أن أعلنت المتاجر الأمريكية عن خصومات كبيرة أملاً في تجاوز هذه الحالة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح تقليداً سنوياً يبدأ مع انتهاء عيد الشكر في الجمعة الأخيرة من نوفمبر، وبداية لشراء هدايا عيد الميلاد.

ولأننا شعوب تعودنا على التقليد في كل شيء؛ فقد انتقلت هذه العادة من الولايات المتحدة إلى باقي أصقاع الأرض، ومنها الدول العربية، فاغتنم التجار الفرصة بتحويل المسمى إلى «الجمعة البيضاء» للتخلص من مخزونات البضائع غير المباعة والقديمة أو التي انتهت موضتها، ليبيعوها إلى مستهلكين لاهثين إلى تقليد كل شيء، حتى دون أن تكون لهم حاجة حقيقية بها.

يوم الجمعة الماضي وما تلاها من أيام؛ كانت لي زيارات لعدد من المجمعات ومراكز التسوق، والتي اكتظت بالآلاف من المواطنين والمقيمين، كل يسعى لانتقاء حاجاته من ملابس وإلكترونيات وأثاث منزلي.. لكن ما لفت نظري أكثر الإعلانات البراقة التي كانت تتصدر المتاجر والمحلات، والتي تعلن عن خصوماتها بشكل كبير، حتى وصل بعضها لأكثر من 80%، وهي نظرياً صفقات رابحة للمستهلك إذا ضمن الجودة وخدمة ما بعد البيع.

ولكن الحقيقية تقول «ليس كل ما يلمع ذهباً»، فبعض هذه المتاجر قام بزيادة الأسعار على السلع ومن ثم عرض نسب التخفيضات والتي تعني أنه يبيع بذات الأسعار العادية دون أية خصومات. أما متاجر أخرى فقامت باستخراج البضائع القديمة والتي انتهى وقتها وموضتها من المخازن وعرضتها على المستهلكين بذات الطريقة.

ومن مشاهداتي الشخصية أيضاً؛ أن أحد المحلات الكبرى قامت بالإعلان عن تخفيضات تتراوح بين 25 – 75%، وهي صفقات رابحة بكل تأكيد للمستهلك، ولكن وبجولة سريعة على أركان المتجر لم أجد أية سلعة تصل نسبة الخصم عليها إلى 75%.

الخلاصة؛ أسواقنا حية واقتصادنا قادر على تصحيح مساراته، فتاريخنا التجاري عريق، ولسنا بحاجة إلى جمعة بيضاء أو سوداء أو حتى رمادية يتم فيها التلاعب بالمستهلك وشفط ما تبقى في جيبيه من دنانير قليلة رغبة في التقليد.. والتقليد فقط.

إضاءة

كنت آمل من الشركات الكبرى وتجارنا الكرام أن يقوموا بتقديم خصومات حقيقية دعماً للمستهلك في مناسباتنا الدينية والوطنية وعند العودة إلى المدارس.. لأننا في هذه المناسبات نكون أكثر حاجة أية خصومات.