أنظم فكري مقابل جملة من المعاني، التي تختبئ حين أقرأ لدستوفسكي وماركيز وغوغول وإليوت، وذلك الوصف الجميل للحمامة والطيور وطريقة هبوطها أو تحليقها، وأيضاً كيف يصف النار ويحكي عنها وكأنه يبحث عن آلهة النار وهنا أتوقف وأضع قلمي جانباً وأنا أكتب كي أعبر عن لوحات سريالية تسرق من نومي لحظات الحقيقة. وأعلم جيداً أن الحياة هي مجموعة من المتناقضات والأضداد الفكرية. ولا أخفي إن تذكرت تلك الرحلة على سفينة امتطيتها وكانت كالحلم يطربني فيها كل شيء، تطربني حتى صفارات السفن وكأني أستمع لموسيقى «شوبان باخ» وامتدت كلماتي إلى تلك الأمواج وأناشيد الطيور التي رافقت سربنا، التفت لزميلتي وأرى رذاذ البحر يلامس وجهها وهي تهذي بكلمات مشوشة وغير مفهومة. سألتها بصوت عالٍ أتعرفين ماذا فعل الفيلسوف بورخيس عندما توقف عن نشاطاته الفلسفية الأدبية؟؟ قالت لا! وهي تنظر إلي بتعجب!! قلت لها ذهب إلى سقراط وسأله ما الذي يجمع الفلسفة بالكهرمان؟ قال سقراط: دموع العصافير!! قالت وماذا كان يقصد بورخيس؟ قلت لها: منذ مسلة الملك الأموري البابلي «حمورابي» والإنسان يبحث عن الفكر والثقافة والعلم حتى من خلالها يستطيع أن يعيش ويتطور في عيشه والمشكلة ليست بالفلاسفة والعلماء وأولئك الفلاسفة والكتاب الذين ذكرتهم في أول مقالي وأيضاً ليست بحمورابي، المشكلة في من يريد أن يخلط الفلسفة وهي «حب الحكمة» بالكهرمانة وهي «إفرازات نباتية تتحجر» ثم تخلط بدموع العصافير وهي جميعها متناقضات لا يستفاد من خلطها ولا حتى بجملة تمثل لوحة مصلوبة على حائط، فالجاه يصنع الاسم والرمزية، والمال يصنع الترف في الحياة، فلا يمكن خلطهما بالثقافة والفكر ولا يستطيعون ان يصنعوا مفكراً أو مثقفاً دون إرادة. ولكن المثقف يستطيع أن يصنع مالاً وجاهاً لأنه يحمل الإرادة. قالت نعم إنها الحقيقة قلت اعلمي لو التقيت سقراط سأقول سيدي. إن لا عصافير اليوم فإنني حملت على ظهري وبفكري جبلاً لم تنبت به عشبة ثم صحوت من تحت أجفان فرجينيا وولف ومسكت قلمي ولا أريد أن أقترب من قبعة ليست من قياسي.. وسوف أغترف من معين ذاكرتي للبوح القادم.. وأطلب من روحي أن تقف عند بوابة السور لتحرس نوم مدننا العتيقة.