جمعتني صدفة مع سيدة وقور على كرسي الانتظار في أحد المستشفيات انتهى اللقاء بعد دقائق قليلة، وكانت نظراتها تمزق كبريائي المهزوم، تصافحنا للوداع، أحسستُ بأن أصابعها غيرت خطوط يدي وزادتها تعقيداً، ذهبت بذلك اللقاء إلى أفق من الأحلام، حاولتُ التوغل بمفهوم الحوار، لكني أعود في كل مرة بخفي حنين وذهني المتعطش للذكريات.

بقي يحمل شيئاً من الفضول واللهفة؛ لأني شممتُ في ذهنها لوعة بودليروهو ينشر ديوانه (أزهار الشر) وتجنبت المجهول لأنني لا أريد أن أخوض صراع آلهة الألومبية التي تحكيها الأساطير الإغريقية وقادها (زيوس) وانتصر هو وإخوته على (تيتانيين) وعدت إلى فنجاني الذي لا يحمل سوى عطر القهوة؛ لأنه بالتأكيد ليس بصحيح سوف يقرأ ويعلمني ماهو مصيري، بعد عدة سنين يرن هاتفي أتلقى اتصالاً من نفس السيدة كانت حائرة.

ضائعة ونحن لم يكن بيننا أي اتصال بعد الترحيب أسمع صوتها يتسلل من خلف جدران الهاتف حزيناً يشكو الألم.. قلت ما بك سيدتي؟ قالت: قد فصلت من عملي وأنا بهذا العمر وهذه الخبرة واحتجت أن أستشير أحداً فكنت شاخصاً أمامي: قلت لماذا الفصل قالت لأني صادقة أمينة مخلصة لن أسمح بالتجاوز في النظام أو في العمل أو في علاقة الزمالة أو نسيان التعامل بمهنية قلت وماذا أيضاً قالت وأيضاً لأني جميلة دخلت قلوب بعضهن الغيرة فتقصدوا التربص ونقل الأخبار غير الصحيحة وتقصدوا إدخالي في أخطاء إدارية..

قلت ألم تخبرك حواء حين سقطت من الفردوس من وسوس إليها؟ قلت أتذكر كلمات (كريس كيلي) أميرة موناكو القائلة: إن القصد من اختيار ملكات جمال المدن هو إظهار مدى صفاء مرايا تلك المدن.

قلت سيدتي هؤلاء سوف ينقرضون مثل ما انقرضت القطط لانتفاء الحاجة إليها بعد اختفاء آخر فأرة ولم يبق إلا الماوس الآلي الذي تكفل بصيد كل فأرة ولكن حزنت القطط وبدأت تنتحر تدريجياً بالرغم من أن أي قرار أممي لم يتخذ ضدها، سوف يخدعك من يقول لك سوف تعِيشين تحت سماء زرقتها أكبر طاردة للحسد، فلا تصدقي ما تتمناه أمك أن تأخذي خاتمها ذا الشذرة الخضراء حتى يبعد عنك الحسد.

وحتى إن داعبت أصابعك الشذرة الخضراء واستدارة الخاتم من مكانه لن يحميك من بوح الزمن ولا من شرهم..

ولكن الحياة تحب الأمل والبشر أيضاً يحبون الأمل فإن هذا هو بدافع (غيرة النسوان) كما يقول كاظم الساهر نقلاً عن نزار قباني، لكن معظم النساء يحملن كماً هائلاً من السلام.