نعيش مع كل فصل من حياتنا بمشاعر وأحاسيس مُختلطة، ولربما فكّرنا حينها أن نرجع إلى سطور كتبناها عند ميلاد عام جديد من أعوام الحياة، ولكن سُرعان ما ننتبه إلى مشاعر أخرى تقودنا إلى سطور بأحاسيس أخرى تشكّلت بعد «ميلاد جديد» ومحطة إيمانية جديدة، أتت بعدها لحظات الوداع لعام هجري مضى سريعاً، وميلاد عام جديد يتوافق مع ميلادنا الجديد بمشاعرنا الجميلة التي نبعت من قلوبنا المُحبة للخير، وأتت ثمارها بعد مُخاض تجربة إيمانية جميلة علّمتنا معاني التخلي كما كتبنا في سطور مقالاتنا الماضية.

منذ أيام كنت أتصفح بعض الذكريات الجميلة والقصاصات والمقالات والإهداءات والإصدارات والصور التي تمثل سيرة حياة وعطاء مستقبل، واخترت منها بعض الصور التي مضى على أثرها (24 عاماً) بصحبة بعض الأصدقاء وأرسلتها إليهم تجديداً لمعاني المحبة والوفاء، وتمعنت حينها بهذه الحياة وأحوالها وسرعتها وأقدارها والتي ستكون في نهاية المطاف، رحيلاً حتمياً عن هذه الأرض والانتقال إلى عالم آخر لا نعلم أحواله.

سبحان الله كل تلك الذكريات العالقة في الذاكرة، تُجملها ما احتفظت به في خزانتك الخاصة، تُعطيك أملاً مُتجدداً بجمال الحياة وجمال اللحظات، وأن لا تجعل ذكرياتك الحلوة مُجرد لحظات لا قيمة لها، بل هي المتنفس الأجمل في أيام عمرك التي لا تعرف موعد نهايتها المحتوم. عندما أتصفح ذكريات تلك الفصول، أعاتب نفسي بأني لم أسردها بعد في كتيب يحكي حكاية العطاء ومسير الأيام، على الأقل بحكاية خاصة أحكيها لأبنائي وأسرتي الصغيرة، ومن ثم تكون مرجعاً لأجيال سترى نورها في حياتها وستكون لها مرجعاً خصباً للعطاء. هكذا يكون صُنع الأثر الذي قد نستصغره ونعده من هوامش الحياة، وننتظر أحدهم أن يسرد سيرة إنجازاتنا.

اليوم الذي يتصرم لا يعود أبداً، فلا تستثقل أن تُقيّم بها أفعال الخير وميادين الأثر، فإن كنت «عادياً» فيها فاحذر أن تكون في اليوم التالي بنفس الصبغة الروتينية «فمن استوى يوماه فهو مغبون» كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ارفع شعارك «ميلاد جديد» مع منظومة أنفاس كل يوم جديد تستيقظ فيه لصلاة الفجر تترنم بعدها بأذكار الصباح وتنطلق لتصنع الأثر وتزيد من رصيد ذكرياتك في الحياة، ومن سطور الخير التي تكتبها في فصول أيامك. منظومة الحياة لم تعد كالسابق، بل فرضت علينا إجباراً أن تلهث وراء الروتين القاتل، وتلهث وراء القيل والقال والاسترسال في دوامة المشكلات التي لا تنتهي، فأنت اليوم على موعد مع التغيير. لذا ومع إقبال عام جديد وأيام جديدة من عمرك، فأنت على موعد مع حدث جديد تستذكر فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته الجميلة إلى المدينة المنورة.

فقد اختار الرفيق في سفره، وهجر كل شيء من أجل أن يصنع في المدينة ميلاد جديد لأمة الإسلام، وها نحن اليوم نواصل تلك السيرة العطرة بأثر بسيط كما خطها حبيبنا صلى الله عليه وسلم. يكفينا فخراً ونحن نطل على واحة عام هجري جديد أننا في رحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا فرداً فرداً وأوصى بنا خيراً. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أني قد رأيتُ إخواننا، قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطُهم على الحوض، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غُرٌ مُحجّلة في خيل بُهم دُهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غُرّاً مُحجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض». (غر: لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس ـ التحجيل: بياض في قوائم الفرس ـ الدهم والبهم: قيل السواد). ليكن نبي الله صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في حياتنا في كل مسيرنا، وأن نهجر كل أحزان وهوامش الحياة، لننطلق فيها أصحاء نفسياً وبعافية وتألق نستلهم قوّتنا من المولى الكريم.

هكذا يجب أن يكون المسلم متميز في إيمانه وإسلاماً يمشي على الأرض في مسير حياته، يجب أن نسطر فصولنا الجديدة بقلوب متفائلة وأمل متجدد بالرضا والتسليم بأقدار الحياة، وبما يكتبه المولى الكريم لنا، لذا لا نكن نقطة صغيرة غير منظورة، بل قامة كبيرة في الخير وفراشة جميلة تنقل الأثر الجميل بين الجميع، وتتنقل في محطات الحياة لتنثر عبيرها الزاكي بخبراتها ونضجها. نعمل من أجل الخير وبجمال ذواتنا في المسير، ونتغير من أجل أن نصحح أخطاء الأمس، ونسدل الستار على كل ما يُعطل خطواتنا للنجاح.

ومضة أمل

اللهم اجعلها سنة خير وبركة وهداية ورشاد وإنجاز وأثر جميل علينا جميعاً، ومتعنا بالصحة والعافية وأرضنا وارضَ عنا.