تصدرت فولكس فاجن شركة صناعة السيارات الألمانية الضخمة التي أسسها هتلر عام 1937 وصاحبة السيارة الأيقونة الملقبة بالخنفساء، عنوانين من الأخبار مؤخراً، بعد ورود أنباء عن نيتها إغلاق مصانع لها في ألمانيا لأول مرة في تاريخها الطويل. ويأتي الحديث عن الإغلاق في ظل سعي أكبر مصنعي السيارات الألمانية خفض النفقات بحوالي 10 مليارات يورو، والذي يشمل أيضا تقليص عدد العمال بنسبة تصل إلى 20٪؜ بعد تباطؤ التحول باتجاه السيارات الكهربائية الذي انتهجته الشركة وتراجع الإقبال من المستهلكين في أوروبا والصين على شراء سياراتها، الأمر الذي قلص الأرباح.

وأنتجت فولكس فاجن 9.2 ملايين سيارة العام الماضي بوجود 680 ألف عامل مقارنة بمنافستها تويوتا التي أنتجت 11.2 سيارة بوجود 380 ألف عامل. وهذا الارتفاع في عدد العمال لدى فولكس فاجن سببه تشغيل 13 مصنعاً وموقع إنتاج في ألمانيا؛ ما يدفع إدارة الشركة إلى إغلاق الفائض منها.

وتعليقاً على هذه الأخبار ألمح الرئيس التنفيذي لفولكس فاجن أن البيئة الاقتصادية في أوروبا أصبحت صعبة مع دخول لاعبين جدد، ويقصد دخول شركات السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة إلى السوق الأوروبية. كما يتوقع تراجع ألمانيا من موقعها المتقدم كإحدى أكبر الدول الصناعية بسبب زيادة المنافسة.

والمعروف أن سباق التحول للسيارة الكهربائية والموعد النهائي الذي قطعته الكثير من الشركات الأوروبية للتحول التام إلى شركات متخصصة في تصنيع السيارة الكهربائية يواجه تحديات جمة. فعملية التحول تواجه على سبيل المثال لا الحصر تحدي ارتفاع كلفة التصنيع، فالسيارة الكهربائية الأوروبية تكلفتها أعلى بضعفين من السيارة التي تعمل بالوقود التقليدي، وهو أمر لم تنجح المصانع الأوروبية في تجاوزه حتى الآن نظراً إلى ارتفاع كلفة الأيدي العاملة لديها! ومن ضمن التحديات كذلك عدم توافر البنية التحتية لخدمة السيارة الكهربائية بشكل كاف في أغلب دول العالم، ما يعطل بيعها سواء داخل أو خارج أوروبا. أما بطارية السيارة الكهربائية، فتعاني من عدم قدرتها حتى الآن على قطع مسافات طويلة بدون إعادة شحن، كما يتراجع أداؤها كثيراً في الأجواء الباردة الشتوية.

ومجرد وصول أكبر شركة تصنيع للسيارات في بلد السيارات ألمانيا إلى حالة من التراجع وخفض النفقات يعطي مؤشراً على حال الصناعة في القارة العجوز بشكل عام في مواجهة الصناعة الصينية المنافسة لها في الكثير من المجالات. ففي الأسبوع الماضي تطرقت إلى تراجع أوروبا في مجال تصميم وتصنيع أشباه الموصلات المحرك الرئيس لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مقارنة بتقدم الصين - والولايات المتحدة - واليوم يأتينا تراجع آخر في مجال آخر هو صناعة السيارات مقارنة بالصينيين أيضاً. وموجة التراجع هذه تثير قلق السياسيين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهي الدول الصناعية الكبيرة في أوروبا، لكن دون تحركات مفيدة تنقذ قطاع الصناعة لديهم حتى الآن.