مقطع منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ربما شاهده كثير من الناس، يصور مجموعة من العاملين، وهم يتعاونون على رفع شيء ثقيل، وثبت كل منهم في موقعه، إلا واحد بدا وكأنه أكثر اهتماماً منهم، يقفز من موقع لآخر حول ذلك الشيء الثقيل، وفي الواقع لم يرفع منه غراماً واحداً، فقط يتحرك معه، وما أن انتهى العمل تظاهر بالإنجاز وبلحظات التعب بعد العمل.

على صعيد الحقيقة وبعيداً عن المقطع الكوميدي، فإن هذا النموذج موجود في كل المجتمعات، نموذج «الفاشل المحترف» فاحتراف الفشل مهارة لا يتقنها إلا القليل، وهؤلاء المحترفون أصحاب فن في التخلص من المسؤولية وعباقرة في التهرب، فقد تمكنوا من تحقيق النجاح بواسطة التخلص من المسؤولية في وقت تتزايد فيه المسؤوليات، ويبحث سوق العمل عن المثابر ويعتبر الفاشل عدواً، ومع ذلك ينجح هؤلاء، بقليل من الجهد، وشيء من التخطيط بذكاء، واستخدام مجموعة استراتيجيات تصرف عنهم المسؤولية دون لفت الانتباه، فتجد هؤلاء يقدمون التأجيل بشكل دائم ويسوفون عندما تسند إليهم المهام، حتى ينتهي الأمر بإسناد العمل إلى غيرهم، والأمر الآخر يبدعون في إلقاء الكرة على غيرهم إذا لم ينجح التأجيل والتسويف مع التبرير المناسب لعدم تنفيذ المهمة، أو ينتقلون إلى تقنية أخرى وهي التظاهر بالجهل وعدم المعرفة، بمسؤوليتهم عن الفعل، وبذلك يظهرون بمظهر من يريد أداء العمل، لكنه يجهل أنه المسؤول عنه، فإذا لم تنجح ينتقلون إلى تعقيد الأمور، فيغرقون من كلفهم بالمهمة بتفاصيل غير ضرورية، وهكذا يتجنب من كلفهم الطلب منهم ثانية.

لكن ما الفائدة التي سيحصلون عليها من كل ذلك؟ في الواقع هناك مجموعة من الفوائد، فهم يقللون من الضغط النفسي والقلق، وبدل تقييد أنفسهم بمهام كثيرة ينعمون براحة البال، ويستمتعون بمزيد من وقت الفراغ والاسترخاء، فكل ما عليهم فعله هو ترك الآخرين ليتحملوا أعباء عملهم، والأهم من ذلك كله هو تجنب الانتقاد والتقييم، فلن يتوقع أحد منهم الأداء العالي والإنجاز الكبير، كما أنهم لن يخطؤوا كثيراً، فكلما قل عملك قل خطؤك والعكس صحيح.

احتراف الفشل ليس مجرد تهرب من المسؤولية والعمل، إنه نمط حياة، يوفر راحة البال لصاحبه، لكن هل هذا هو السلوك الصحيح لحياة سعيدة خالية من الضغوطات؟ في الحقيقة الإجابة على هذا السؤال هي خيار شخصي يختلف من واحد لآخر، فمن يشعر أنه مسؤول لا يمكن أن يسلك هذا الطريق.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية