شهدت الولايات المتحدة الأمريكية أول مناظرة تلفزيونية بين مترشحي الرئاسة في تاريخها في 26 سبتمبر 1960 وكانت بين المترشح الديمقراطي جون كنيدي والمترشح الجمهوري ريتشارد نيكسون. كنيدي كان يتمتع بوسامة فائقة أما نيكسون فكانت ملامحه أقل جاذبية. إضافة إلى ذلك وخلال المناظرة كان وجه نيكسون يبدو شاحباً، ويعاني من كثرة التعرق خلاف كنيدي الذي ظهر بوجه نظر عليه علامات الحيوية والنشاط. والنتيجة هي أن كنيدي تفوق على نيكسون، وفاز بسباق الرئاسة. ويرى كثير من المحللين أن المناظرة لو بثت عبر الراديو فقط لكانت النتيجة لصالح نيكسون نظراً لخبرته وقدراته العالية في الحوار السياسي مقارنة بكنيدي الذي كان آنذاك ذا خبرة محدودة في المجال، لكن التلفزيون أظهر التفاوت في المظهر والملامح بين الاثنين مما رجح الأوسم وصاحب الكاريزما. ومنذ تلك الحقبة وحتى اليوم والمناظرات التلفزيونية تلعب دوراً في غاية الأهمية في اختيار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

ويقال إن نظرة خاطفة للساعة قام بها جورج بوش الأب خلال مناظرته مع بل كلينتون كلفته منصب الرئاسة. حيث نظر بوش إلى ساعته لحظة طرح سؤال عن التراجع الاقتصادي الذي كانت تعاني منه أمريكا في عهده مما أعطى انطباعاً لدى المشاهد بأنه لا يبالي بوضع الاقتصاد ولا بتحسينه، فعاقبه الناخبون بعدم التصويت له.

ومؤخراً كشفت المناظرة التلفزيونية بين بايدن وترامب تراجع قدرات بايدن على الرد على الأسئلة والحوار مما أدى كما نعرف إلى انسحابه من السباق الرئاسي الحالي. ولولا هذه المناظرة لما تأكد للجمهور بأن بايدن يعاني فعلاً من مصاعب في الذاكرة والحديث المتسلسل أمام الناس. ولولا هذه المناظرة لما رشحت كاميلا هاريس لخوض الانتخابات.

وهذا يجرنا إلى هاريس التي أدت أداءً مقنعاً خلال المناظرة التلفزيونية التي تابعها أكثر من 57 مليون مشاهد قبل أيام مع ترامب. ويبدو أن هاريس هي الأقرب لتحقيق فوز تاريخي بسبب ردودها المقنعة وحضورها الواثق أمام الكاميرات وابتسامتها المريحة مقارنة بترامب الذي بدا غاضباً ومتوتراً في كثير من فترات المناظرة وقدم ردوداً فيها مبالغات كثيرة لا يستوعبها العاقل. كما أن فارق العمر الذي أظهرته الكاميرات بوضوح يرجح كفة هاريس على ترامب.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 67٪؜ من الأمريكيين يعتقدون أن هاريس أبلت بلاءً حسناً خلال المناظرة أما ترامب فلم يقتنع بأدائه سوى 33٪؜..! وكما نجح ترامب من خلال المناظرة التلفزيونية في القضاء على مستقبل بايدن السياسي وإجباره على التقاعد تتجه هاريس على ما يبدو نحو تبديد حلم ترامب في الوصول إلى الرئاسة مرة أخرى ومن خلال نفس الوسيلة!