هذا هو وقت التطبيل للدولة وحمل المباخر للنظام.. نعم وبكل فخر، نحمد الله ونشكره بأننا في دولة تجلس فيها على أريكتك في بيتك تحتسي (استكانة) الشاي، والمكيف يكفخ في صدغيك الكبيرين بسعر مدعوم، وبعد وجبة غداء دسمة من مجبوس اللحم المدعوم وحواشيه من معابيج وآجارات ومخللات وسَلطات، وبيدك الموبايل، وأصابع يديك الثانية تعبث بأصابع رجلك المنثنية على الأريكة، تدخل على التطبيقات فتشتم هذا، وترفع من شأن ذاك، وتنعى هذا وتهنئ ذاك، ثم تأخذ لك تعسيلة الظهر، وفي المساء تلتقي برفاقك وتحلل وتتوقع وتصدعوا رؤوس بعضكم بتبادل آخر المعلومات المتوفرة لك عبر شبكة إلكترونية سريعة، ثم تودعهم على أمل اللقاء غداً لاستكمال الحلقة التحليلية، فتعود لمنزلك والطريق سالك ممهد، وتحيي مَن في بيتك وهم سالمون غانمون، ثم تندس بفراشك، وتكمل مهمتك العظيمة في خدمة أمتك العربية والإسلامية، أما خدمة أمتك البحرينية، فليست ضمن اهتماماتك.
المهم تمتعت بكامل خدماتك ذات الجودة العالية، ونظرت لصحيفة اليوم فإذا بالعنوان الرئيس «تحسين جودة الحياة عن طريق تحسين جودة الخدمات الإسكانية» أي أنك في بيتك لا أحد من أهل بيتك أو معارفك يفترش الأرض نازحاً أو مهجراً لا يجد قطرة ماء أو حليباً لأطفاله، لا تلتحف السماء، ويتبرع لك الآخرون ببطانية تتدفأ بها، سقفك يحميك أمنك مسؤولية دولتك وإسكانك وتعليمك وعلاجك ودواؤك وما يشغلها هو تحسين تلك الخدمات لك وجعلها أكثر جودة.
نعم حان وقت المدح والتطبيل، وحمل المباخر لنظام ودولة وحكومة احتفظت لنا بهذه المكاسب في وقت يبحث فيه الملايين من أمتنا عن قطرة ماء أو حليب أو غطاء أو سقف يؤويهم، نحمد الله ونشكره على دولة تسير بنا الهوينا في خضم العواصف والأعاصير التي تعصف بمن حولنا، فنقدر هذه النعمة، ونعدها وهي لا تحصى ولا يعرف قدرها إلا من فقدها.
ليس سهلاً أبداً أن يكون وضعك السياسي والاقتصادي يعمل جاهداً على أن تحتفظ بتلك المكاسب، ويعمل على تحسينها، لا أن تتحسر عليها، وتتمناها بعد أن أبخست قدرها، وضع كهذا يحتاج إلى رؤية سياسية واقتصادية أياً كانت تحفظاتك عليها وأياً كانت انتقاداتك وأياً كانت اعتراضاتك، إلا أنها سياسات سارت بك إلى بر الأمان، حتى أصبحت في سربك آمناً مطمئناً.
عملك موجود أبناؤك في مدارسهم ككل يوم ووجبتك جاهزة وطرقك سالكة وكهرباؤك، لا تنقطع، وإن أردت أي نوع من العلاج أو الدواء، فستجده بكل سهولة ومجاناً، ولو كنت ترعى معوقاً أو كبيراً في السن، فستجد الدعم والعون من الجميع ميسراً وسهلاً.
لا تكاد تجد حجزاً في الفنادق أو قاعات الأفراح إن أردت أن تفرح بعرس أبنائك ما لم تحجز قبل ستة أشهر، الأخبار حافلة بالإنجازات وببرامج الترفيه والمطاعم تتزاحم فيها الناس تسمر وتأكل بطمأنينة لو لم تكن في دولة بها نظام سياسي وأمني واقتصادي وفر لك جميع تلك الخدمات والتسهيلات لما تمكنت أن تمسك هذا الموبايل وتتشدق بعنترياتك ثم تشد اللحاف وتطلب من زوجتك أن تقلل من برودة المكيف؛ لأن عمليات الهضم أفرزت طاقة حرارة حتى تتمكن أن تغذي بها لحمك وشحمك.
الحمد لك يا رب حتى ترضى، وإن رضيت لك الحمد ولك الحمد بعد الرضا.