- في سياق المعاملات المالية التي يشتبه فيها البنك من طريق أي عميل لا يتناسب دخله مع إيداعاته أو تحويلاته أو معاملاته المصرفية، فدائماً ما تتردد الجملة من أين لك هذا في الموقف المذكور؟ ولكن اليوم أريد أن أسلّط الضوء على جملة من أين لك هذا بسبب تداولها على ألسنة أغلب أفراد المجتمع مع بعضهم بعضاً، وقد تكون هذه الجملة مفتاحاً لتساؤلات عدّة توهم قائلها بأنه يمتلك الجرأة في توجيه ذلك السؤال للطرف الآخر كبداية حديث لاتساع المجال في طرح بقية الأسئلة التي ليس من حق أي شخص معرفتها دون الجهات الرسمية والقانونية.

.

- في أغلب المجتمعات العربية وتحديداً ما بين الرجال والنساء في أي مناسبة وفي أي تجمّع يُعقد، يكون هناك شخص يفتتح الجلسة على شخص آخر غير متواجد في هذه الجلسة، فيتم تسليط الضوء عليه بافتتاحية الجملة من أين له هذا، فيتطرّق الحديث في تفصيل حياة الشخص المقصود بالسؤال، فيتجرّد رواد المجلس من مبادئهم وقيمهم في الحديث عن ممتلكات غيرهم، فتكون الجلسة عبارة عن اتهامات باطلة لا صحة لها ولا واقعية، ولكن يأتي هذا السلوك من فراغ روتيني عند أغلب الحضور فينقل للبقية بتأثير سلبي، فيصبح الجميع في مشاركة جماعية فعّالة في الغيبة والنميمة.

.

- أحياناً يأتي الرزق لأشخاص أحبهم الله فأكرمهم في الدنيا، فتتحوّل حياتهم مائة وثمانين درجة، فلماذا لا نُحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، ودائماً نتقدّم بسوء الظن دون حسبان أو مراعاة للغير، فالرزق لا يقتصر على المال فقط وإنما قد يكون الرزق عبارة عن ابتسامة أو كلمة طيبة، فأغلب أفراد المجتمع يتحدثون عنك حتى على ابتسامة الغير لك أو تلقّيك كلمة قد تُجبر خاطرك يوماً ما، فهذا السلوك غير حضاري ومخالف لمبادئ مجتمعنا المتسامح.

.

- لماذا لا نترك هذا الأمر للجهات القانونية للتحقّق من صحة ما يتم تداوله؟ لماذا لا نُحسن الظن في من حولنا مهما كان مرزوقاً؟ ولماذا لا نُحب الخير للآخرين مثلما نُحبه لأنفسنا؟ كل هذه التساؤلات بسيطة جداً، ولكنّ إجابتها بالنسبة للفئة المذكورة قد تصعب عليهم، وهنا قد يختلف الأمر، لأن الفجوة والفراغ يؤثران حتى على المبادئ والأخلاق وحُسن النيات، بينما قد تكون تلك الفئة مرزوقة ولكن لن يسمحوا بالحديث عنهم بالسوء مثل ممارستهم مع الآخرين.

.

- ويبقى العتب علينا مهما تأزّمنا من حديث الآخرين، لأننا لن نخفي ما أكرمنا به الله، ونريد أن نشارك من حولنا فرحتنا ونُطلعهم على ما رُزقنا به، ونحن من نُحسن الظن في كافة المواقف، ولا نحسب لتلك الأحاديث التي قد تصيبنا حتى من أقرب الأشخاص حولنا، فنكون عرضة للجميع وقد نتيح لهم الفرصة للحديث عنا بنية سيئة، ويكون الكلام عنا عبارة عن تشويه سمعة وأكثر، ولا يمكننا من هذا المنطلق ممارسة حياتنا بأريحية، لأننا في نظر أغلب أفراد المجتمع سيؤون، وأيضاً متهمون باتهامات باطلة لا تقتصر على شخصنا فقط، بل تصل إلى بقية أفراد الأسرة جميعهم، وعليه تهدم البيوت وتتشتت الأُسر، بل يتسبّبون في قطع الرزق بتلك الاتهامات.

.

- علينا ألا نسمح بالحديث عن الآخرين بسوء الظن، وإن اضطر الأمر فنترك الجلسة والحديث الشائك فيها ونرحل، لأنه من الطبيعي إذا لن تقوم بوضع حدٍّ للحديث عن الآخرين، ثق تماماً بأنك ستكون القادم في تلك القائمة، بما معنى ستكون أنت الفريسة الأخرى للحديث عنك بسوء وبتشويه السمعة وبالاتهامات الباطلة. لابد أن نتفادى هذه الفئات من المجتمع ونزيلهم من حياتنا، كي نمضي في هذه الحياة في خير وسلام، ولا ننشغل في حديثنا عن الآخرين مهما كان نوعه ومكانه، فتشجيعك لهذه الفئة لاستكمال حديثهم عن الآخرين كأنك تحدثت معهم عن الغير وبسوء أكبر من إساءتهم، فيجب على الجميع الإدراك بأنه كما تُدين تُدان وإن طال الزمان.