في عمودي السابق، تناولت مشكلة الزحمة وتأثيرها على حياتنا اليومية، وما هي الآثار النفسية والجسدية لهذا الزحام على حياة الأفراد، ومن الحلول المبتكرة لعلاج هذه الإشكالية بدأت تجربة جديدة وهي قيد التطبيق في دول شقيقة، وهي فكرة الدوام المسائي في القطاع الحكومي، فالكويت أعلنت عن نظام العمل المسائي الذي سيُطبّق بداية من العام القادم، وكذلك طبّقت الإمارات هذه الفكرة منذ فترة طويلة لعدد من الجهات الحكومية، إضافة للعديد من الأفكار المتعلّقة بساعات العمل، وكل هذه الأفكار تهدف إلى تعزيز كفاءة الخدمات الحكومية وتخفيف الضغط المروري الصباحي، حيث بدأت الكويت التخطيط لتطبيق الدوام المسائي على ثلاث مراحل بداية من 2025، بينما نجحت الإمارات في تنفيذ هذا النظام في وزارة العمل تحت شعار «مرونة»، وتمكّنت من إنجاز أكثر من 100 ألف معاملة خلال الأشهر الأولى، مما ساعد في تخفيف الزحام وتقليل أوقات الانتظار للمراجعين.ففي الكويت ستُتاح للموظفين حرية اختيار الدوام الذي يناسبهم، وستحدّد الجهات الحكومية ساعات المساء وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، مما يعكس اهتماماً بتوفير خيارات تلائم احتياجات المواطنين وتخفّف الضغط على الطرق والمكاتب في الفترة الصباحية، كذلك، يُتوقع أن تُسهم هذه الخطوة في تحسين بيئة العمل عبر تخفيف الازدحام، وتشجيع بيئة أقل تزاحماً وأكثر مرونة، خصوصاً لتلك الوظائف التي تكون فنية ويمكن إنجازها في المساء لتكون جاهزة لليوم الذي يليه كمراجعة المستندات اليومية وغيرها والتي في نهاية المطاف سيستلمها قسم أو قطاع آخر في صباح اليوم التالي.أما في الإمارات، فقد حقّقت تجربة الدوام المسائي لعدد من الجهات الحكومية مكاسب ملموسة من حيث تخفيف الضغط على الموظفين وتقديم خدمة أكثر راحة ومرونة للمراجعين، خصوصاً في الأوقات التي تناسب جداولهم، ويعتبر نجاح هذه التجربة مؤشراً إيجابياً على أن الدوام المسائي يمكن أن يسهم فعلياً في تقليل الزحام المروري وتخفيف الضغط على الطرق.ولكن إذا ما انتقلنا للتفكير في تطبيق هذا النظام في البحرين، فهل سيكون مناسباً؟ بالطبع سيساهم هذا النظام، لو تمّ تطبيقه، في تخفيف الضغط على الشوارع والتقليل من الزحام المروري. وفي متابعة لتعليقات البحرينيين على المنصّات الإخبارية وجدت أن الكثيرين يتمنّون تطبيق هذا القرار في البحرين.وبالرغم من الإيجابيات الكثيرة لهذا النوع من العمل إلا أن هناك تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار، أولها التأثيرات الاجتماعية، فقد يؤدي عمل أحد الأبوين في الفترة المسائية إلى فجوة في الروتين الأُسري، مما يُبعد الأب أو الأم عن العائلة في الأوقات التي غالباً ما تُخصّص للأنشطة الأُسرية المسائية، الأمر الذي قد يؤثر على الترابط العائلي.كما أن البحرينيين بطبيعتهم منذ القِدم يعتمدون ثقافة عمل صباحية، ومثل ما يقولون «من أصبح أفلح»، وعلى مر السنين اعتاد الناس على إتمام أعمالهم ومعاملاتهم في الصباح، ولكن الزمن تغيّر والعالم تغيّر ونحن في دوامة التغيير ومواكبة أبرز الممارسات، فلو افترضنا أنه سيتم التّطرّق لهذا النوع من النظام في البحرين، يجب أن توجد ضوابط محددة، كأن يتمّ تخصيص نظام الدوام المسائي لبعض القطاعات التي تحتاج إلى بيئة هادئة، مثل الوظائف الفنية أو تلك التي تتطلّب تركيزاً بعيداً عن ضغوط الدوام الصباحي، وربما يمكننا تصميم هذا النظام بشكل يتلاءم مع طبيعة العمل ومتطلبات المجتمع البحريني، مع مراعاة التوازن بين الأثر الإيجابي على الخدمة الحكومية واحتياجات الأُسر البحرينية.في النهاية، يبقى التساؤل مفتوحاً: هل ستناسبنا تجربة الدوام المسائي في البحرين؟ وهل يُمكن تكييفها لتكون حلاً ملائماً لثقافتنا الاجتماعية ومتطلّبات العمل؟