يعتقد الكثيرون أننا مستهدفون من قبل من يهدد أمننا الوطني بأعمال التخريب والشغب وقتل الأبرياء فقط، بينما يجب أن نعي أننا في مملكة البحرين في مواجهة نوع آخر من الحروب النفسية وهي حرب الشائعات، أو ما تسمى بـ«الحرب اللا نمطية» في علم النفس العسكري، وهذه الحرب هي أشد أنواع الحروب فتكاً، فهي تستهدف تحطيم معنويات وعزيمة الشعوب أولاً وتدمير الإنسان من الداخل، قبل أن تستهدفه من الخارج، وأكبر دليل على ذلك ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية من نشر الشائعات والأكاذيب في الداخل والخارج ضد مملكة البحرين، وتهويل المواقف لكي يشعر الإنسان البحريني بالخوف والهلع. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الفتنة التي واجهتها مملكة البحرين في 14-2-2011، أكسبت المواطن مقومات للشخصية الوطنية التي تملك القدرة على مواجهة كل ما يهدد الأمن الوطني، ولكن ظهور أجهزة التواصل والاتصال جعل من هذا الأسلوب يشكل خطورة على الأمن الوطني، والشيء الذي يسجل وبأمانة لأجهزة الأمن الوطني في البحرين أنها كانت واعية لهذا الأسلوب من المواجهة فكانت تكشف الحقائق أولاً بأول، من خلال وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية حيث كشف وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الحقائق، وكذلك رئيس الأمن الوطني، مما فاجأ الجماعات الإرهابية وجعلها في حيرة من أمرها حيث كانت لا تتوقع مثل هذا المستوى من المواجهة. إن سرعة إيصال المعلومات وتسريبها في الوقت الحاضر وخاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي يجعلنا نأخذ الحيطة والحذر من كل ما من شأنه تهديد أمننا الوطني.

إن اغتيال رجل أمن واحد لا يهدف إلى إزهاق روح بشرية فقط بل زعزعة الأمن في داخل نفس كل مواطن بحريني شريف حتى يشعر هذا المواطن العادي أن زمن «بلد الكرام مهد السلام»، قد ولى وليس هذا فحسب، بل تصل إلى محاولة زعزعة الأمن الوطني للدولة ككل. ومن المعروف أن الحاجة للأمن هي حاجة ضرورية للإنسان. ومن جانب آخر إن الاستقرار الأمني والسياسي يوفر القاعدة الأساسية لمسيرة التنمية في البلاد، ولذا يجب أن نكون على وعي أن هؤلاء هدفهم الأساس من أعمال التخريب هو الوصول بالبلاد إلى هذه المرحلة وهي إعاقة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد لجعلها فريسة سهلة لتحقيق مأربهم.

حقيقة أخرى يجب أن نكون على وعي بها، وهي أن هذه الجماعات تستغل الظروف الإقليمية والدولية لتمرير مخططاتهم، ولذا فهم في سرعة مع الزمن، خاصة وأن أمتنا تعيش مرحلة من أحلك مراحلها الاقتصادية والعسكرية والسياسية حيث أضحى دم العرب المسلمين أرخص الدماء وماله أرخص الأموال، وأصبح الخصوم يتلذذون في إيذاء العرب والمسلمين وتوجيه الضربة تلو الضربة في كل مكان من العالم إليهم. لذلك نحن بحاجة إلى نشر الوعي وتحقيق مزيد من اللحمة والتماسك بين فئات المجتمع على مختلف أطيافها، وتعزيز قنوات التواصل والاتصال مع الجميع، خاصة تلك الفئات الصامتة التي تستشعر خطر إقصائها عن المشهد البحريني، والتي يجب العمل على دمجها في المجتمع خاصة أن البحرين مجتمع صغير متجانس مما يسهل تحقيق هذا الهدف.

إن مملكة البحرين التي عرفت بالأمن والأمان والاستقرار السياسي، وهذه حقيقة لا ندعيها كشعب بحريني إنما هي حقيقة يشهد لها القاصي والداني وكل من يزور مملكة البحرين وكل من يقيم فيها للعمل حيث يوصف شعبها بأنه مسالم، في بيئة آمنة، مثل هذه، يكون من السهل ترويج مثل هذه الأفكار والشائعات السوداوية، ومازلنا نعيش هذه الحالة وهي ردة الفعل الغاضبة من شعب البحرين أثناء الفتنة التي واجهتها مملكة البحرين في أحداث فبراير 2011، وإن كانت قد انخفضت، بل العكس أكاد أن أقول رغم حالة التملل ظهر شعب البحرين في صورة أذهلت الخصم، ولم يكن يتوقع فيها أن يكون بهذه الروح من الحالة المعنوية العالية والمقاومة والصمود فكانت الحياة تسير بشكل عادي، مما أثار غيظ من أراد للبحرين بالشر وأن تنزلق إلى الهاوية كما حدث في بعض الدول العربية.

وكما هو معهود في حرب الشائعات، فإنه يهم الطرف الذي يقوم بها أن تستمر حالة الهلع والخوف عند الطرف الآخر حتى يصل إلى مرحلة من الإنهاك والتعب النفسي، ولذلك فإن حرب الشائعات رغم أنها من أخطر أنواع الحروب النفسية إلا أن من يقومون بها هم من أضعف فئات المجتمع الذين يفتقدون القدرة على المواجهة فيلجؤون إلى هذا العمل بخفاء، لقد دأب هذا الطابور الخامس على مدى السنوات السابقة على نشر فكرة المظلومية عند طائفة معينة ومزاعم ما يسميه بـ«النظام الاستبدادي»، وغيرها من هذه الأفكار وظل يعزف هذه السمفونية طوال السنوات الماضية، ولكنه لم يفلح، فلجأ إلى أعمال التخريب والشغب وكذلك لم يفلح، والآن يبحث له عن كل فكرة جديدة تظهر على المشهد السياسي في المحيط الإقليمي فما وجد إلا «تمرد» لكي يدغدغ عواطف البسطاء ونحن نراهن على أنهم سوف يفشلون كما حدث في السابق وإن غداً لناظره قريب.