تخيلوا لو استمرت حملة المواطنين لمراقبة الأسعار في البرادات مدة شهر كامل ونشر المواطنون جميع أنواع المخالفات التي يكتشفونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما حدث من قبل أحد المواطنين، وتحولت الحملة إلى تحفيز وتنشيط لفعالية الرقابة الشعبية على جميع أنواع المخالفات القانونية، الصحية والبلدية والمرورية والبناء وغيرها من قوانين، أي تحول المواطن إلى مراقب ومفتش، وصاحب حملة المواطنين كذلك حملة تطبيق وإنفاذ القانون من جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية بنفس القدر الذي قامت به وزارة التجارة مشكورة بتفاعلها السريع مع الشكوى، كيف سيكون شكل البحرين بعد شهر؟

هل شاهدتم استنفار أصحاب البرادات الأخرى لتصحيح الأوضاع والتأكد من الالتزام بالقانون؟ سيكون وضع جميع المحلات والناس في سياقتها في الشارع منضبطاً وملتزماً بالقانون بذات القدر والحرص.

كم نحن بحاجة إلى مثل هذا النشاط ليكون فعالاً ومستمراً لا شعلة تنطلق بسرعة وتنطفئ بسرعة، صدقوني الاستنفار الذي وجدناه في البرادات لتصحيح الأوضاع والأخطاء سيعم على جميع القطاعات، لو صور مطعم واحد مخالف لأنظمة النظافة وانتشرت الشكوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولو تحركت وزارة الصحة وأغلقت المطعم ونشرت صورة الإغلاق بنفس اليوم بعد التأكد من صحة الشكوى بصلاحيات الضبط القضائي، ولو صورت مخالفات العقارات ومخالفات البلدية ومخالفات المرور، لو صورنا الذين يقفون في المواقف الممنوعة وصورنا الذين يتجاوزون الطابور ويدخلون عليه من المسار الأيمن «الكتف» ثم لو انتشرت صور إنفاذ القانون الفوري باستدعاء أصحاب المخالفات وإجبارهم على تطبيق العقوبات فوراً، لأصبح لدينا جيش من المراقبين يسدون النقص في العدد ولعادت للقانون هيبته ومكانته، لأن المجتمع له قوة وقادر وإذا أراد المجتمع القضاء على الفساد فلا بد أن تستجيب الدولة.

كانت تنقصنا المشاركة والتفاعل لأننا كنا نكتفي بـ«التحلطم» فقط، كانت تنقصنا الاستجابة الفورية والسريعة من أجهزة الضبط القضائي، لأن إنفاذ القانون كان سكة طويلة ووعرة ومتأخرة، كانت تنقصنا الاستجابة الفورية والمصورة ونشر تلك الاستجابة، ولو أن الوزارة مارست اختصاصها بصمت كما جرت العادة، لما رأينا حالة الاستنفار الذي وجدناه في البرادات والكل يجري لتصحيح أوضاعه وهذا هو المطلوب.

المطلوب أن نرى إنفاذ القانون نشاهده نعيشه نشعر به نصدقه ونتأكد من تطبيقه على الصغير والكبير دون ريشة تجعل من ناس تتمتع بامتيازات لأن لها وزناً اجتماعياً، كبر في المال أو كبر في السن أو انتماء لمذهب أو انتماء لاسم عائلة.

لقد افتقدنا هيبة القانون واحترامه وفقدنا الثقة في قدرة الدولة على ضبط القانون، وصدقوني العملية لا تقتصر على المخالفات حين تنتشر ثقافة تجاوز القانون بين الناس بل تمتد إلى جميع القطاعات وآخرها ما حصل في سجن جو، إنها حالة تسيب تنتشر كالعدوى إلى أن وصلت إلى القطاع الأمني.

إنفاذ القانون ومعاقبة المخالفين والمتجاوزين المستترين لا بد أن نشعر بها في البحرين، لقد عشنا نحن كجيل تلك المرحلة الذهبية التي كنا فيها جميعاً كبيرنا وصغيرنا يحترم القانون ورجال القانون، إنما هذا الجيل لم يعش تلك الفترة ونشأ في بيئة يعتقد أنها هي الأصل بيئة الاستهانة بالقانون وتجاوزه.

ومن خاف من الشكاوى الكيدية أو الافتراء فالقانون لهؤلاء بالمرصاد والقضاء هو الحكم، ومثلما سيحاسب المخالف والمتجاوز يحاسب أيضاً من كذب وادعى وافترى دون وجه حق.

إنما أسوأ ما في الموضوع حين تحركت النفوس المريضة لتحميل إنفاذ القانون على المخالفين بعداً طائفياً، تلك التفسيرات كشفت عن أنفس مريضة مقززة مقرفة، فحتى حين وجد البحرينيون قاسماً مشتركاً بينهم وهو «جيبهم» فالمشترك واحد وجيب الخاسر أو المغشوش واحد، ظهر من قسم الجيب إلى جيب سني وجيب شيعي، وغشاش سني وغشاش شيعي.. ألا ما أبشعكم!

ما فعله المواطن الذي صور المخالفة وما فعلته وزارة التجارة كان عملية إنعاش قلب نطالب أن تمتد إلى كل المواطنين وكل مفتشي الوزارات وأجهزة الضبط القضائي.. أعيدوا الحياة للقانون الذي كان في غرفة العناية المركزة.