كان لافتاً جداً ذلك الحوار الذي أجراه الصحفي «والمحاور» الأمريكي-الكندي، شاين سميث مع نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في مقابلة تلفزيونية تم بثها مؤخراً، وذلك من حيث الأداء ومن حيث المضمون معاً.

فعلى صعيد الأداء كان الأمير خالد بن سلمان واضحاً حاسماً قوياً مقنعاً، وهو يرد على محاور المقابلة، بالرغم من حساسية العديد من الأسئلة على الصعيد السياسي، حيث تم ذلك بهدوء منقطع النظير، وبثقة لافتة. فالكلمات محسوبة بدقة، بالكلمة الطيبة، وبالموقف الرصين، وجميعها من ركائز السلام والاستقرار والتقدم وبناء الثقة والاطمئنان.

أما على صعيد المضمون فقد عكست الردود الدقيقة الموجزة التي أدلى بها نائب وزير الدفاع السعودي منهج تعاطي المملكة العربية السعودية الشقيقة مع القضايا الدولية أو الإقليمية من خلال نهج الاعتدال الذي تمثله، ومن خلال مواقفها المبدئية تجاه القضايا الإقليمية والعربية والدولية باعتبارها بوابة الاستقرار في المنطقة ومركز الثقل الاستراتيجي بوصلة مهمة في العالم.

فمن حيث المضمون تضمنت هذه المقابلة قصارى القول السعودي في القضايا الرئيسة والتحديات التي تواجهها المنطقة والعالم، وفي مقدمة تلك القضايا الملف الإيراني الذي تحول إلى أكبر عقدة تواجه السلام والاستقرار في المنطقة خاصة. حيث لخص الأمير خالد بن سلمان صورة هذا الواقع الذي تقف إيران في طرفه الأول، والسعودية في طرفه الثاني، من خلال المقارنة بين التمشي الإيراني والتمشي السعودي:

- فالأول يدور في دائرة الثورة الدائمة، وما تقوم عليه من أفكار ورؤى مدسترة، لا تؤمن بحدود الدول ولا بالقانون الدولي، ولا باستقلال الدول، وما استدعته تلك الرؤى، من توجه دائم للتوسع الأيديولوجي والعسكري على حساب الدول الأخرى، ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا يرتبط مجمل السلوك الإيراني تجاه الخليج العربي تحديداً «بما في ذلك التهديدات المتكررة» بنزعة عدوانية فاضحة، منعكسة في الخطابين السياسي والإعلامي، استناداً إلى صورة ترتد إلى أعماق التاريخ، وإن كانت ترجمتها المعاصرة تتلبس بأحكام السياسة والمصالح القومية، ومن هنا يبدأ تاريخ الأوهام ينسج ألواحه ويتحول الوهم إلى ما يشبه الحقائق التي يتم تأثيثها عبر صناعة مخيال الكراهية والصراعات التي لا تنتهي.

- والثانية والتي تجسدها الرؤية السعودية والتي تقوم على أساس التنمية المستدامة وخلق أفضل الفرص لإسعاد الناس. وقد أوجز الأمير خالد بن سلمان تلك المقارنة من خلال الإحالة على تاريخين رمزيين على مستوى المقارنة وهما تاريخ 1979، وهو تاريخ الثورة الإيرانية، و2030 وهو رمز الرؤية الاقتصادية السعودية.

فالتاريخ الأول معلق على عنوان الثورة الدائمة التي حولت إيران إلى سجن كبير وإلى قوة عسكرية ضخمة تهدد جيرانها، والتاريخ الثاني بات عنواناً لتحرك المملكة العربية السعودية نحو الأمام. لتكون، كما كانت دائماً، عامل استقرار وسلام وازدهار في المنطقة، وما تقوم به تنفيذاً لرؤيتها 2030 من إصلاح للاقتصاد ومن استفادة من الإمكانات الهائلة والمقدرات التي تتوافر عليها. ومن هنا تعمل السعودية من أجل أن تكون المنطقة آمنة مستقرة ومزدهرة، لأن ازدهار المنطقة من ازدهار المملكة، في حين أن إيران لاتزال مهمومة بتصدير ثورتها، ضمن إطار مشروعها التوسعي وما يولده ذلك من توترات مستمرة.

إن الذين يعرفون المملكة العربية السعودية، ويعرفون ثوابت سياستها ومواقفها الحازمة والشجاعة، ووقوفها مع الحق والعدل لا يمكن أن تفاجئهم مثل مواقف الأمير خالد بن سلمان، أو غيره من النخبة السياسية السعودية الممتازة، فرسالة السعودية ارتكزت دائماً على أمن المنطقة وأمن العالم، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعزيز التضامن بين الشعوب والدول، والأمن الجماعي، والعمل على تسوية المنازعات بالطرق السلمية. وبذلك ستظل السعودية صمام الأمان والاستقرار، لا تهزها العواصف الهوج ولا الأكاذيب الملفقة، ولا محاولات التشويه والمزايدة، لأن الحكمة السعودية تنتصر دوماً بالأفعال لا بمجرد الأقوال.