إذا أردنا إخضاع أي عملية أو ممارسة أو تجربة ما للتقييم، فلابد أن تكون قائمة على أسس علمية واضحة، وتراعي كافة الظروف والمؤثرات المتزامنة، وعلى ذلك يجب أن نقيم الجهود الوطنية التي بذلت، والمستوى الذي تحقق في العملية التعليمية خلال أزمة كورونا. وكما أسلفت في مقالتي السابقة، فأنا أجد أن ما قامت به البحرين يعبر عن قصة نجاح لحد كبير. وأنا أؤمن إيمانا تاما أن الأمور حتى تأخذ مسارها نحو التطور والتقدم، لابد أن تعطى الصورة الحقيقية لأدائها، فلا نصفق لنقص أو خلل، ولا نتجاهل منجزا أو عملا مثمرا، وكما يقال ينبغي عدم النظر فقط لنصف الكأس الفارغ، كيف وإن كان جل الكأس ممتلئاً ونبحث فقط عن سقفه الفارغ!.

إن الدلائل الواقعية وحدها القادرة على إعطاء رؤية واضحة لتقييمها، وإذا عدنا لمطالعة التفاصيل الدقيقة لخطة الفصول الافتراضية المركزية التي وضعها الفريق الكفء في وزارة التربية والتعليم، سنجد أن هناك بيئة تعليمية رائعة، تحاكي إلى حد كبير أسلوب الصفوف المدرسية، حيث توفر التواصل المباشر بين الأستاذ والطالب، وتحقق التفاعلية، مع وجود أنشطة تدريبية بعد كل درس، فضلا عن توفير سمة جديدة، وهي إمكانية العودة للدرس على الفضاء الإلكتروني في كل وقت.

ولم يكن ذلك إلا في ظل منظومة وخطة تنفيذية محددة بدأت من خلال توفير حسابات للمدرسين، وحسابات أخرى مجانية عبر برنامج «ميكروسوفت تايمز» للطلبة، مع توزيع للمتعلمين على الصفوف الافتراضية، وتنفيذ ورش للمعلمين والاختصاصيين، وإيجاد فريق فني داعم، وتوفير كل ما تحتاجه عملية التعلم عن بعد من آليات وأجهزة وتقنيات، وإن تحقيق ذلك كله في فترة زمنية محدودة، أمر يستحق التوقف والدراسة.

كما أن لغة الأرقام أيضا تتحدث عن ما هو أبعد من قصة النجاح، وهو معدل الإنجاز لهذا النوع من التعلم، فخلال فترة وجيزة تم تقديم 1162 حصة مباشرة – بناء على إحصائيات وزارة التربية والتعليم – وبمعدل مشاركة يومية لـ 32.264 طالبا وطالبة. وتم تقديم أكثر من 935 ألف إجابة للطلبة، واعتماد 628 استمارة تقييم، والكثير الكثير من الأرقام، نحن أمام تجربة، سيكون من الإجحاف المرور عليها مرور الكرام، دون إعطائها الحق الكافي من الاحتفاء، لأنها أولا تعبر عن مبادرة رائدة انبثقت من اللجنة التنسيقية بقيادة سمو ولي العهد حفظه الله، وتم تطبيقها على أيدي كفاءات وطنية وعلى رأسهم الدكتور محمد مبارك جمعة وكيل وزارة التربية والتعليم الذي أدار فريق العمل باقتدار وحرفية عالية، وتحققت على إثر ذلك مخرجات تدعو للفخر والاعتزاز. وفي نظري، إن التقدير الحقيقي لهذه التجربة هو تقديمها كنموذج يحتذى به على المستوى المحلي والدولي، وقد كنت سعيداً حين اطلعت على تصريح وزير التربية والتعليم، وما أكد خلاله على أن التوجه القائم هو الاستمرار في الاستفادة من منظومة التعلم عن بعد، وهو أمر مطلوب حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، مع الحاجة للتطوير والتفكير في الأفضل دائما.

* «إن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وأن تقدم الشعوب والأمم إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره»، «سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه».