"قمة جدة".. منصة إقليمية ودولية لمناقشة ملفات الأمن والتنمية

10 دول تشارك في القمة لبحث القضايا المشتركة

واشنطن تعزز العلاقات مع السعودية بإعادة توجيه المسار



تشكل أول زيارة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، منذ توليه منصبه، أهمية بالغة، على المستويات الخليجية والإقليمية والدولية، حيث تحظى تلك الزيارة باهتمام دولي وعالمي، خاصة مع مشاركة الرئيس الأمريكي في القمة العربية الأمريكية المعروفة باسم "قمة جدة للأمن والتنمية" التي تستضيفها مدينة جدة غرب السعودية اليوم، بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى قادة مصر والأردن والعراق.

وقد سبق زيارة بايدن للمنطقة حراك كبير في المنطقة، شمل عقد قمم عربية واجتماعات بين قادة دول المنطقة، بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل في المقابل، شهد أيضاً تحركات عسكرية ودفاعية في إيران بالإضافة إلى تصريحات مختلفة من مسؤولين إيرانيين سواء ما يتعلق بالزيارة أو غيرها.

لكن اللافت في زيارة بايدن للمنطقة، هو ما صدر عنه وعن مسؤولين أمريكيين، في أن الزيارة تعد تصحيح لأخطاء أمريكية نتيجة الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى التركيز على تعزيز العلاقات مع السعودية، خاصة بعدما شهدت العلاقات بين البلدين فتوراً خلال المرحلة الماضية، لكن سرعان ما انتبهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أهمية الاستدارة نحو السعودية، لاسيما وأن المملكة تعد رقماً صعباً ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل على مستوى عالمي خاصة ما يتعلق بالاقتصاد، والنفط.

فزيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة تكتسب أهمية خاصة ليس لأنها الأولى منذ توليه منصبه، وإنما لدلالاتها والقضايا التي ستتناولها.

وتتجه الأنظار السياسية الدولية إلى مدينة جدة، حيث تحاول الإدارة الأمريكية إعادة توجيه علاقاتها في المنطقة.

وقد أجرى خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مباحثات أمس في جدة، فيما يشارك الرئيس الأمريكي في قمة "قمة جدة للأمن والتنمية".

ورأى مراقبون ومحللون أن اللقاءات والاجتماعات المرتقبة بين القادة اليوم سوف ترسم خارطة العلاقات المستقبلية والدور الأمريكي المقبل، خاصة في ظل التغيرات العالمية المتسارعة وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم أجمع.

الزيارة الأمريكية بتوقيتها وأجندتها وأهدافها تشير إلى إدراك إدارة بايدن مدى أهمية الرياض لواشنطن على عدة مستويات، ليس فقط على مستوى الاستقرار الإقليمي، وإنما على مستوى المصالح الدولية خاصة فيما يتعلق بأسعار الطاقة والنفط.

ومن أبرز الملفات التي يتم مناقشتها خلال زيارة بايدن، سُبل توسيع التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي، فضلاً عن ردع تهديدات إيران للمنطقة وملف الاتفاق النووي، وكذلك الوضع في اليمن ودعم الهدنة الأممية، إلى جانب ضمان الطاقة العالمية والأمن الغذائي.

وفيما يتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية، فعلى الطاولة، ملفات كثيرة تشكل أبرز ركائز العلاقة بين الحليفين الاستراتيجيين، منها الأمن والطاقة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وملفات مهمة طوال هذه العقود، لكن أهميتها زادت في ظل ما يعصف بالعالم من أزمات، أبرزها الحرب الروسية في أوكرانيا.

وعلى مدى أكثر من ثمانين عاماً، جمعت السعودية والولايات المتحدة علاقة متينة أساسها تغليب المصالح، واشتركتا في الكثير من المواقف الحاسمة التي أسهمت في التغلب على الكثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة والعالم.

وكان ولي العهد السعودي قد أكد في حوار مع مجلة "أتلانتيك" الأمريكية أنه "نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع أمريكا، وبالنسبة لنا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها، لدينا مصالح سياسية، ومصالح اقتصادية، ومصالح أمنية، ومصالح دفاعية، ومصالح تجارية، ولدينا العديد من المصالح".

وأضاف: "لدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، وأيضاً لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات، وإذا سألتنا في المملكة العربية السعودية، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات".

فالمصالح المشتركة حكمت العلاقات السعودية الأمريكية منذ بدايتها. وأحداث عالمية عصفت بالعالم خلال عمر العلاقات بين البلدين، اشتركا في الكثير من مواقفهما، لكن السمة الأبرز في هذه العلاقة هي تغليب المصالح المشتركة.

وقد ساهمت السعودية بالشراكة مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، حيث وظفتا إمكانياتهما للعمل على التصدي للإرهاب وتجفيف منابعه، ومن أبرز هذه الجهود إنشاء المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب ومقره الرياض في العام 2017، ويعمل برئاسة مشتركة بين البلدين، من خلال تجفيف مصادر تمويل عبر تصنيف الأفراد والكيانات الممولة له والإعلان عنها وفرض الجزاءات بحقها.

أما في جانب الاستثمارات والتبادل التجاري المشترك، فقد بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في أمريكا 800 مليار دولار، فيما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 620 مليار ريال سعودي خلال الخمس سنوات الأخيرة.

رغم أن علاقات السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية انطلقت من التعاون التجاري، إلا أنها توسعت وشملت كافة النواحي السياسية والأمنية، وتحولت إلى علاقة حليفين استراتيجيين، كما وطدتها زيارات ولقاءات تاريخية من أعلى هرمي السلطة في البلدين خلال عمر هذه العلاقات.

مصالح مشتركة وشراكة طويلة الأمد، اتفاقات واختلافات، لكن السمة الأبرز في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة طوال هذه السنوات، أنها علاقة حلفاء تجمعها المنافع المتبادلة لأكثر من ثمانية عقود.

لذلك، فإن الزيارة الأمريكية بتوقيتها وأجندتها وأهدافها تشير إلى إدراك إدارة بايدن مدى أهمية الرياض لواشنطن على عدة مستويات، ليس فقط على مستوى الاستقرار الإقليمي، وإنما على مستوى المصالح الدولية خاصة فيما يتعلق بأسعار الطاقة والنفط.

ورغم أن الولايات المتحدة قلّصت ارتباطها بالشرق الأوسط، إلا أن ثمة مجموعة من القضايا ذات الأولوية القصوى بالنسبة لواشنطن تضمُها أجندة الزيارة تتطلع الإدارة الأمريكية لمناقشتها مع القادة والمسؤولين، من سُبل توسيع التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي، فضلاً عن ردع تهديدات إيران للمنطقة وملف الاتفاق النووي، وكذلك الوضع في اليمن ودعم الهدنة الأممية، إلى جانب ضمان الطاقة العالمية والأمن الغذائي.

وقد كان لافتاً في زيارة بايدن للمنطقة، هو توقيعه على "إعلان القدس"، والذي يعد الهدف الرئيس فيه هو استخدام القوة لردع إيران والتشديد على منع طهران من امتلاك السلاح النووي، إضافة إلى منعها من تسليح الميليشيات الإرهابية الموالية لها وخاصة "حزب الله" في لبنان.

وقد اعترف الرئيس الأمريكي بخطأ الانسحاب من المنطقة، حيث قال إن بلاده لديها فرصة لإعادة تأكيد نفوذ واشنطن في منطقة الشرق الأوسط من خلال زيارة السعودية، مؤكداً أن زيارته للمملكة بهدف الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة.

وفي مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، عقب توقيع اتفاق مشترك أطلق عليه "إعلان القدس"، أكد بايدن أن واشنطن أخطأت بالانسحاب من القضايا التي تعني الشرق الأوسط، ولن تترك فراغاً في المنطقة تستغله الصين.

وحول السلاح النووي الإيراني، أكد بايدن أن الدبلوماسية هي السبيل الأفضل لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.

وأضاف بايدن أن واشنطن لن تنتظر إلى الأبد للحصول على الرد الإيراني بشأن المباحثات النووية، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة سترفض حصول إيران على سلاح نووي حرصاً على المصلحة الحيوية لأمن الولايات المتحدة وإسرائيل.

وتابع بايدن: "قدّمنا لإيران ما نحن على استعداد لقبوله، ونحن بانتظار ردّهم ولكننا لن ننتظر للأبد".

من جانبه، تحدث الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف عن أهمية قمة جدة، مؤكداً أن القمة تعد منصةٍ إقليمية ودولية لتناول ملفات الأمن وتحدياته ومجالات التنمية وتطلعاتها ولتكامل الجهود نحو تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم، لاسيما في ظل ما تشهده من تحديات متسارعة وعلى المستويات والمجالات كافة.

كما شدد على وشدد على إيمان مجلس التعاون بدوره البناء والمحوري كركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المنطقة وكنموذجٍ رائدٍ للتنمية الشاملة ومحرك للاقتصاد وشريك نحو المستقبل من خلال تعزيز مكانته وحضوره على الساحتين الإقليمية والدولية.

وعبر عن تطلعه لأن تمثل قمة جدة للأمن والتنمية انطلاق مرحلة جديدة ترتكز على الفهم المشترك للتعامل مع تحديات الأمن والاستقرار والعمل الجماعي، للتعاون في مجالات التنمية والازدهار لتحقيق الأهداف المشتركة وبناء المستقبل.