اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة 2023.. فرصة سانحة لتأكيد أننا: «متحدون في العمل لتأهيل ذوي الهمم والعزيمة بأفضل النماذج المعززة لجودة الحياة».

خلال العقود الثلاثة الماضية يتم الاحتفال باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة سنوياً في 3 ديسمبر بمختلف أنحاء العالم، وتحديداً منذ إعلانه في عام 1992 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 47/3، حيث يرتكز الهدف على تعميق الفهم نحو قضايا الإعاقة وخلق فرص أفضل لدعم وضمان كرامة وحقوق ورفاهية الأشخاص ذوي الإعاقة في شتى جوانب الحياة. ولهذا العام 2023، تم الإعلان عن شعار اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة وهو «متحدون في العمل لإنقاذ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأشخاص ذوي الإعاقة ومعهم وبواسطتهم». وما يجعل هذا الشعار مثيرا للاهتمام هو شموله وارتباطه الوثيق بأهداف التنمية المستدامة مما يؤكد المبدأ الراسخ لإدماج قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة بوصفهم جزءا لا يتجزأ من توجهات التنمية المستدامة وبطابع تشاركي عالمي.

من الجيد التطرق إلى مفهوم الإعاقة قبل الشروع في الموضوع الرئيسي، حيث تبعا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة رقم 1 «الأمم المتحدة» يشمل مصطلح الأشخاص ذوي الإعاقة «كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّية، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين». كما أن التعريف المعتمد للشخص المعاق في القانون رقم 74 لسنة 2006م «مملكة البحرين»، بشأن رعاية وتأهيل وتشغيل المعاقين «هو الشخص الذي يعاني من نقص في بعض قدراته الجسدية أو الحسية أو الذهنية نتيجة مرض أو حادث أو سبب خلقي أو عامل وراثي أدى لعجزه كلياً أو جزئياً عن العمل، أو الاستمرار به أو الترقي فيه، وأضعف قدرته على القيام بإحدى الوظائف الأساسية الأخرى في الحياة، ويحتاج إلى الرعاية والتأهيل من أجل دمجه أو إعادة دمجه في المجتمع». من خلال هذه التعريفات يتضح مدى الدور المحوري لبرامج التأهيل الشمولي في تعزيز قدرة المعاقين على التعامل مع مختلف الحواجز التي قد يواجهونها في المجتمع المحيط بهم وبالتالي تعزيز إمكاناتهم وفرصهم للدمج المجتمعي بصورة أفضل. لذا كيف ينبغي أن يتم فهم مصطلح التأهيل؟ وما مدى الحاجة للتوسع بنطاق التأهيل؟ وما هي مبادرة التأهيل 2023؟



بالاستناد على تعريف منظمة الصحة العالمية للتأهيل يمكن الإشارة إلى أن التأهيل هو عبارة عن مجموعة من التدخلات أو البرامج المخصصة لتحسين الأداء والحد من الإعاقة لدى الأفراد الذين يعانون من حالات صحية في تفاعلهم مع بيئتهم. وعندما نتحدث عن الأداء فهو لا يقتصر على القدرات البدنية، بل يشمل ذلك القدرات العقلية والصحة النفسية الاجتماعية. والجدير ذكره كذلك أنه لا يقتصر التأهيل على الأشخاص المصابين بإعاقات أو اعتلالات بدنية طويلة الأجل، بل إن التأهيل كخدمة صحية أساسية تعني بتحقيق الاستفادة منها لأي فرد يعاني من حالة صحية أو إعاقة أو إصابة حادة أو مزمنة تحد من قدرته على أداء أنشطة الحياة، وبالتالي لا بد من إتاحتها كعنصر وقاية ولكل من يحتاج إليها. وتتعدد الاختصاصات الداعمة لعملية التأهيل، من ذلك اختصاصيي العلاج المهني والعلاج الطبيعي، وعلاج النطق، والتأهيل الاجتماعي، والتغذية العلاجية، والعلاج النفسي، وأطباء الطب الطبيعي والعديد من الاختصاصات الصحية.

التوسع في نطاق برامج التأهيل وتنوعها واستهدافها لمختلف فئات المجتمع هو أمر في غاية الأهمية لمختلف بلدان العالم حيث إن التأهيل جزء أساسي لا يتجزأ من إستراتيجية التغطية الصحية الشاملة، وكما يمثل التأهيل عاملا مرتبطا ومؤثرا لتحقيق الهدف الثالث للتنمية المستدامة والمعني بـ«ضمان تمتُّع الجميع بأنماط عيش صحيّة وبالرفاهية في جميع الأعمار». وفي دراسة عالمية تشير التقديرات إلى وجود 2.4 مليار شخص في العالم من المتعايشين مع وضع صحي من الممكن لهم الاستفادة من التأهيل، أي بمعدل واحد لكل ثلاثة. كما تشير الدراسة ذاتها إلى أنه عالميا هنالك زيادة تقارب 70% في إجمالي السنوات المعيشة مع الإعاقة بين عام 1990 وعام 2019. إن زيادة الحاجة إلى التأهيل في جميع أنحاء العالم أيضا مقترنة بالتغيرات الطارئة على السكان من ذلك زيادة معدلات التشيخ والأمراض المزمنة. وما يجدر ذكره أن في مملكة البحرين يمثل داء السكري وداء القلب الإقفاري مسببين رئيسيين لسنوات الحياة الصحية المفقودة، تبعا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2019 آخذين بالاعتبار كلا الجنسين ومختلف الاعمار.

مبادرة التأهيل لعام 2030 أطلقتها منظمة الصحة العالمية في فبراير 2017 لهدف تعزيز الدور القيادي لمجال التأهيل في الأنظمة الصحية وضمان دمجه في إطار التغطية الصحية الشاملة وبالتالي تلبية أفضل لاحتياجات الأفراد من خدمات التأهيل. وذلك من خلال ما أنشأته المنظمة من تحالف عالمي متعدد الجهات معني بالتأهيل وبهدف دعم تنفيذ هذه المبادرة. وقد تضمنت أولويات المبادرة تأكيدا على تمويل التأهيل، وبناء الكوادر التأهيلية المتخصصة، والتوسع بالبحث العلمي. لذلك يمثل التعاون والتنسيق بين مختلف المؤسسات المعنية والمهتمة في العمل التأهيلي سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي أو الوطني أولوية للارتقاء بمنظومة التأهيل وبالعمل يداً بيد مع المستفيدين من خدماتها. ومن هذا المنطلق ليكن اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة 2023 فرصة سانحة للتشجيع ولتأكيد أن الجميع متحدون في العمل لتأهيل ذوي الهمم والعزيمة بأفضل النماذج المعززة لجودة الحياة.

* الأمين المالي في جمعية أصدقاء الصحة