أيمن شكل - «تصوير ومونتاج نايف صالح»


المعلم شخصية مرعبة نحمل له الوقار


زوجة المدرب الألماني أفضل من اللاعبين الإيرانيين

العمل الصحفي لا يحتمل الشخصنة ولا الإثارة من أجل الإثارة

اللعب كان ولاءً للنادي وأكبر جائزة كانت ساعة بثلاثة دنانير

شخصية المدرب داخل الملعب قوية وخارجه اجتماعية وصديقة


الكاتب محمد لوري.. ابن الحورة، الرياضي والمدرب، ثم صحفي رياضي متخصص شارك في تأسيس أول الصحف اليومية.. حين ولد لم يكن هناك سجلات فلم يعرف يوم ميلاده تحديداً، وعند دخوله المدرسة تم قبوله بطريقة «لف اليد إلى الأذن»، من خلال إمساك الأذن اليمني التفافاً باليد اليسرى!

مرت على لوري أيام صعبة لكنها سعيدة، فمن النوم مع أشقائه الثمانية في غرفة واحدة شتاءً وعلى السطح صيفاً، إلى الدراسة الجادة التي يعاقب فيها بالضرب بالعصا، لكن ظل الاحترام للمعلم يمثل يقيناً في ذهنه.

أدار البيت مع والدته في الطفولة، وأدار فريق النجمة في الشباب، وحقق بطولات لم تتحقق من بعده، ثم خلد إلى الصحافة بعد التدريب ومازال فيها إلى اليوم، ويرى أن العمل الصحفي لا يحتمل الشخصنة ولا الإثارة لمجرد الإثارة. في حوار حول مسيرته مع «الوطن»، فتح لوري ملفات ممتدة لمنتصف القرن الماضي، ومستمرة لليوم معتمداً على حبه للحركة، ونصح الرياضي السابق شباب اليوم لعدم الانصياع لرتابة الحياة والجلوس على المقاعد.

ما هي بدايات ونشأة محمد لوري؟

- أنا من مواليد الحورة عام 1950، وفي هذه الحقبة لم يكن هناك نظام لتسجيل المواليد لأن الولادة كانت تتم في البيوت، وتوجه والدي يومها إلى الإرسالية الأمريكية المستشفى الوحيد الذي كان لديه سجل، وعرف أنني من مواليد يناير 1950.

ولم يكن لدخول المدارس في هذا الوقت سن محدد لأن معظم الطلبة غير محددي الأعمار، ولكن كانوا يستخدمون طريقة مضحكة كمعيار لإدخال الطالب أول صفوف الدراسة، وهي أن يتمكن الطفل من الإمساك بأذنه اليسرى عن طريق الالتفاف بيده اليمنى من فوق رأسه، ومن يستطيع فعل هذه الحركة يكون لائقاً لدخول المدرسة، وتمكنت من عمل هذه الإشارة في أواخر عام 1956 عندما أراد والدي إدخالي لمدرسة القضيبية.

ولقد كانت مدرسة القضيبية هي النموذج المثالي للطالب الباحث عن دراسة وأنشطة أخرى متنوعة، حيث لم تخل المدرسة في تلك الحقبة من أنشطة ثقافية ورياضية وفنية، وكانت تقام فيها حفلات فنية وخيرية في المناسبات، ليحضرها أولياء الأمور ويلتزم الطلبة بحضور الحفلات التي تقيمها المدرسة، ويتم رصد ريعها لمناصرة القضية الفلسطينية.

هل كانت لديك أنشطة رياضية أو صحفية مبكرة؟

- كانت المدرسة تفرض على الطلبة أن يكون لهم نشاط موازٍ إلى جانب الدراسة، سواء كان فني أو ثقافي أو رياضية، حيث كانت تنظم لقاءات بعد الدراسة للطلبة للانضمام إلى جمعيات التمثيل والرسم والرياضة والنشيد وغيرها، وقد بدأت مع جمعية الرسم لأن الذين يمارسون الرياضة كانوا أكبر منا سناً وحجماً، ثم تحولت فيما بعد للرياضة بعدما كبرت قليلاً، لكن لم أكن لاعبا ضمن فريق المدرسة الأساسي واستمرت الرياضة هواية فقط إلى المرحلة الإعدادية.

وفي المدرسة الثانوية بدأت أشارك ضمن فريق مدرسة المنامة الثانوية كحارس مرمى احتياطي وبقيت على مقعد الاحتياط كذلك في نادي النجمة، وإلى أن تحولت للتدريب.

ما ذكرياتك مع المدرسة في الطفولة؟

- أتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة وكان والدي قد اشترى لي حقيبة مطاطية، وعلي أن أحملها من الحورة إلى القضيبية سيراً على الأقدام، فبكيت ورفضت فكرة الذهاب للمدرسة.

ولم تكن الدراسة وقتها بالأمر اليسير كما هي عليه الآن، حيث كان العقاب مؤلماً في حال تأخرنا لدقائق عن موعد بدء طابور الصباح، فقد كان ينتظرنا ناظر المدرسة بالعصا لنتلقى عدة ضربات على أطراف أصابعنا وخاصة في فصل الشتاء مما كان يزيد الألم علينا، وربط الناظر عدد الضربات بعدد دقائق التأخير.

في تلك المدارس تعلمنا احترام المعلم وتوقيره والخوف منه وقد كان المعلم شخصية مرعبة للطلبة، ومجرد رؤيته للطالب في الشارع بعد انتهاء الدوام المدرسي، يمثل كارثة على الطالب، وكنا حين نرى معلمنا في الشارع نختبئ بسرعة، ولم يكن ذلك سوى لأن المعلم في السابق كان يبذل جهداً مخلصاً في تعليم الطالب وتوصيل المعلومة إلى ذهنه، ولذلك كانت له شخصية مهيبة وعظيمة لا يستطيع الطالب أن يتجاهل قدرها.

ومن المفارقات، أنني عندما عملت في البنك زاملت معلمي بالمرحلة الابتدائية، الأستاذ الراحل إبراهيم الأنصاري في نفس البنك، وذلك بعد أن خرج من التدريس وعمل في القطاع المصرفي، وربطتني به صداقة احترام وود.

حدثنا عن عائلتك؟

- لدي 5 أشقاء و3 شقيقات، وأنا أكبر اخوتي في العائلة، ولذلك كنت أدير البيت نظراً لأن والدي يعمل فترتين صباحية ومسائية، ويتغيب أكثر الوقت عن البيت، فكنت أعود من المدرسة وأساعد أمي في كثير من الأمور فكنت أرافقها في التسوق لحمل الأغراض، ما بين سوق السمك والخضار والخباز، ثم أعود لأعاونها أيضاً في الطبخ، وساعدتني قدرتي على الحركة السريعة أكثر من شقيقي الأصغر مني في أداء هذه المهمة.

ومازلت إلى اليوم أؤدي دوري القديم في مساعدة أشقائي وشقيقاتي ووالدي ونلتقي يومياً، لأنه لا توجد بيننا فواصل ولم يبتعد أحد منا عن الحورة سوى شقيقين تزوجا لكن تبقى اللقاءات الأسبوعية الرسمية هي الاتفاقية غير المكتوبة بين أفراد عائلتنا.

هل تعتبر حياة الأطفال في الخمسينات والستينات شاقة بالمقارنة مع أطفال اليوم؟

- بالفعل، فلم يكن بيتنا بالكبير، حيث يتكون من غرفتين فقط وكنا ننام جميعنا في تلك الغرفة، لكن لم نشعر يوماً بضيق المساحة، بل كانت حياتنا بسيطة وسعيدة، وكانت الغرفة هي ملجأنا في الشتاء ننام جنباً إلى جنب وندفئ بعضنا البعض، بينما في الصيف نتوجه إلى سطح البيت ونقوم بوضع فرشات قبل النوم بفترة لكي تتلقى قطرات الندى فتبرد المخدة، وكنا ننام في وقت مبكر جدا لعدم وجود أية أنشطة أو فعاليات، ونستيقظ جميعاً مع طلوع الشمس.

لكن بعد أن حصلت على عمل شاركت والدي في مبلغ جمعناه لكي نشتري بيتاً ملاصقاً لبيتنا وتمت توسعته، ولليوم البيت موجود بنفس هذه المساحة في الحورة.

ولم يكن لدينا تلفزيون في تلك الفترة، فكنا نتوجه إلى بيت أحد الجيران القريب منا لنطالع البرامج التي تبثها شركة «أرامكو» باللغة الإنجليزية، ثم تلتها محطة تلفزيون الكويت والتي كانت بالنسبة لنا شيء عجيب، لأنها تقدم البرامج والأفلام باللغة العربية.

لعبت لفترة من حياتك كحارس مرمى كيف كانت التجربة؟

- نعم، بدأت من الفريج عندما كنت ألعب مع أصدقائي، ثم انتقلت حراسة المرمى معي إلى المدرسة الثانوية كحارس احتياطي لفريق المدرسة، ولم أستمر في الملاعب كحارس مرمى لفترة طويلة، بسبب انتقالي إلى التدريب حتى وصلت إلى تدريب الفريق الأول عند اعتزال المدرب الأستاذ محمد عبدالملك، ولقد نزل الفريق للدرجة الثانية بسبب اعتزال لاعبين كبار، ثم عاد بقوة ليتصدر بطولات عديدة وحصدنا بطولة الدرجة الممتازة لأربع مواسم، وهي البطولة الوحيدة في سجل النادي إلى اليوم.

التدريب يمثل مرحلة مهمة في حياة محمد لوري، فما هي أبرز المحطات؟

- أذكر حين ذهبت إلى إيران مرشحاً من البحرين لحضور دورة تدريب المدربين نظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، وكانت مدتها 3 أشهر وضمت أكثر من 65 مدرباً من دول شرق آسيا، وحصلت فيها على شهادة التدريب الدولية، وشارك معي المدرب خليفة راشد الحمدان مدرب نادي الرفاع.

وكانت الدورة قاسية جداً لأن المدرب الألماني بيت كرامر، كان صارماً ويمثل فعلاً مقولة «الماكينة الألمانية»، فقد كان يلزمنا بالاستيقاظ عند السادسة صباحاً خلال أيام فصل الشتاء لنستحم بالماء البارد قبل بدء التمرينات، ثم نواصل التدريب وسط أمطار تهطل بشكل متواصل، ولذلك خرجنا من تلك الدورة وكأننا لاعبين وليس مدربين، وكان لها أثر على الفريق وحصلنا على بطولة الدورة.

وأذكر موقفاً للمدرب الألماني في الدورة، حيث جلب معه كرامر زوجته التي كانت سكرتيرة وزير الخارجية الألماني وتقاعدت في ذاك الوقت، وبسبب قسوة التدريبات التي كان يفرضها علينا، حاول بعض المشاركين الإيرانيين التقاعس، ولم يكمل أحدهم عدد مرات تمارين الضغط وتحجج بأن العدد كبير، فما كان من المدرب الألماني إلا أن دعا زوجته وطلب منها أداء تمرين الضغط لخمسين مرة فلم تتردد أو تخفق، وعندما انتهت قال لنا «هذه السيدة أفضل منكم».

ولم تتوقف مخالفات المدربين الإيرانيين، فقد تأخر أحدهم عن موعد بدء التدريب لمدة 5 دقائق، فرفض المدرب «كرامر» دخوله وأمر بأن يعود للبيت، فحاول مسؤول المعسكر المدرب والضابط حشمت مهاجران، التوسط للمدرب المتأخر، إلا أن كرامر أصر على رأيه وهدد بالمغادرة وكتابة تقرير سلبي عن الدورة.

كيف كانت علاقتك كمدرب مع اللاعبين؟

- أهم شيء العلاقة الشخصية مع اللاعبين، وفرض الشخصية القوية في الملعب، والتحول لشخصية صديقة واجتماعية خارج الملعب، باعتبار أننا أسرة واحدة، وأذكر في إحدى المباريات أن سدد مدافعنا هدفاً في نفسه بالخطأ وانتهت المباراة مهزومين بسبب هذا الهدف الوحيد، وعدنا لبيوتنا، لكن بعد فترة قصيرة وجدت أم هذا اللاعب وقد جاءت لبيتي تسألني عنه، وقالت إن أحمد لم يرجع البيت حتى الآن.

فخرجت باحثاً عن أحمد ووجدته في ركن بالفريج جالساً يبكي متأثراً مما حدث، فقمت بتهدئته، وأكدت له أن الخطأ وارد، خاصة وأنه قدّم الكثير في مباريات آخرى، فهدأ وعاد معي إلى البيت.. ويظل هذا اللاعب من المخلصين الذين أعتز بهم إلى اليوم.

تاريخك يمر بأحداث سياسية مهمة، فهل تتذكر منها شيء؟

- أنا ناصري بحكم ما عايشناه في حقبة جمال عبدالناصر وتابعنا كيف كان زعيماً للأمة وليس لمصر فقط، وكانت مصر تستحوذ على اهتمام كل العرب في ذلك الوقت فقد ارتبطنا بالصحافة والأفلام المصرية والفنانين المصريين، ورافقهما السياسة العربية التي انتهجها عبدالناصر، ولذلك ظل أبو خالد في وجدان البحرينيين حتى اليوم لأنه حمل هم الأمة العربية.

ما هي بداياتك مع العمل الصحفي؟

- الصحافة بدأت معي من نادي النجمة الذي كان يسمى قديماً العربي ثم الوحدة والهلال، بمجلة حائط فيها الأخبار الخاصة بالنادي، وفي تلك الفترة تركت اللعب وبدأت في معاونة مدرب الفريق الأديب الكبير محمد عبدالملك، ووجهني في ذاك الوقت لأتخذ مجالي التدريب والصحافة، واصطحبني معه إلى مجلة «صدى الأسبوع» في أول إصدار لها عام 1970 ومنها بدأت مسيرتي الصحفية.

لكني تفرغت تماماً للصحافة بعد أن تزوجت وتركت التدريب عام 1981، لأظل إداري في نادي النجمة، ومنذ عام 1970 وأنا لدي عشق الكتابة الصحفية، إلا أن التخصص التام بدأ مطلع الثمانينات للكتابة الرياضية، حيث انتقلت من «صدى الأسبوع» لمجلة «المواقف» ومن بعدها إلى الصحافة اليومية مع «أخبار الخليج» عند بداية صدورها وكنت من المؤسسين في «أخبار الخليج» و«الأيام» و«الوقت»، ثم عملت مراسلاً لـ«الخليج الإماراتية»، وحين بدأت «الأيام» توليت رئاسة قسم الرياضة وأصدرنا حينها أول ملحق رياضي متخصص في البحرين، وأعتز بالزملاء المعاصرين لهذا العمل ومنهم ناصر محمد وتوفيق صالحي ومحمد إسماعيل وعقيل السيد وغيرهم.

الصحفي الرياضي أكثر عرضة للانتقاد والهجوم فهل حدثت لك مواقف رياضية مماثلة؟

- في السابق كان الصحفي يحضر المباريات في الملعب، بخلاف ما يحدث اليوم، ولذلك كثيراً ما كنا نصطدم باللاعبين وخاصة من الفرق الخاسرة، إلا أن تلك الصدامات كانت تنتهي دوماً بالتراضي، وأرى أن العمل الصحفي لا يحتمل الشخصنة، وعلى الصحفي أن يكون موضوعياً وواقعياً، وأنا ضد الإثارة من أجل الإثارة فقط.

كيف ترى الاحتراف من وجهة نظرك؟

- الرياضة في السابق كانت تعتمد على الولاء والانتماء للنادي والفريق، ولم تكن هناك حوافز أو مكافآت، وأذكر حين فزنا بالبطولة في السبعينات، أهدوا لأعضاء الفريق ساعات يد لا يتجاوز ثمنها 3 دنانير، ولا أنسى موقف اللاعب محمد الأنصاري الذي أخلص للنادي حتى اعتزل عام 1974، وحاول النادي منحه جزء من ريع مباراة البطولة، إلا أنه رفض وقال: «إذا تعطوني فلوس ما آجي النادي».

واليوم اللاعب المحترف إذا خصم من راتبه شيء فلن يلعب، ولا ألوم المحترف في ذلك لأنه يخصص كل حياته ووقته للعب والتمرينات وهذا هو مصدر دخله الذي يتكسب منه.

كيف تعرفت على زوجتك؟

- العمل المصرفي كان له دور في زواجي، حيث كنت أعمل في بنك تشارترد بينما زوجتي تعمل في مؤسسة نقد البحرين قبل أن يتغير المسمى إلى مصرف البحرين المركزي، وكانت بيننا اتصالات خاصة بالعمل، ثم قررت التقدم لها، وفي بداية زواجنا لم تكن تحب الرياضة تماماً، لكن تغير هذا النهج في السنوات الأخيرة.

خلاصة مسيرة حياتك في جملة توجهها للشباب؟

- لابد أن يعمل الشباب ولا يتكاسل، ويتحرك دوماً لأن الحياة الرتيبة اليوم فرضت على الناس عدم الحركة، واليوم يفضل الأبناء الاتصال بالبرادة وطلب الأغراض، بينما أنا مازلت أفضل الحركة على استخدام الهاتف.