كنت أصغر عضو بمجلس إدارة الغرفة 1993

المعلم قديماً كان يتمتع بالهيبة والاحترام خلافاً لما يحدث اليوم

أستاذ الدين: من قال هذا الحديث الشريف.. أبوك؟!



واجهت الكبار دفاعاً عن الطلبة بالجامعة وأجبرت الإدارة على تغيير قرارها

عيسى بن راشد: أجلستني في مقهى أحسست فيه أنني بواب عمارة


أيمن شكل - تصوير علي العمايرة

سياسي "مشاكس" بشخصية هادئة وتاجر ورث التجارة عن والده. كان حلمه في البداية أن يصبح طياراً، لكن لو عاد به الزمن لن يتراجع عما وصل إليه، وحياته التي امتزجت بالعمل الإداري والرياضي والاقتصادي والسياسي. فتح رجل الأعمال عثمان شريف صندوق تاريخه البادئ من مدينة الحد أمام "الوطن"، وتحدث عن مسيرته الممتلئة بأحداث كان لها أثر في المجتمع البحريني.

حدثنا عن طفولتك والعائلة؟

- الوالد الله يرحمه كان يعمل في المملكة العربية السعودية، حاله كحال مجموعة كبيرة من البحرينيين في تلك الفترة نظراً إلى عدم وجود تخصصات تقنية وصناعية احتاجتها شركة "أرامكو" والشركات الأخرى في القطاع الخاص السعودي، ولذلك كانت تلك الشركات تستقطب البحرينيين من الحرفيين في اللحام والصناعة. ثم رجع والدي إلى البحرين واستقر ليتزوج وبدأ شراكة مع ابن عمه في محل شريف للملابس الجاهزة، الذي مازال موجوداً في باب البحرين.

أين كانت بداياتك؟

- مدينة الحد هي مسقط رأسي وولدت نهاية عام 1953 وفي هذا الوقت عاصرنا جيل ما قبل الاستقلال وبساطة الحياة في تلك الحقبة، وكانت مدينة بسيطة، إلا أن كثيراً من أبنائها من جيلي وصلوا إلى مناصب كبيرة وبعضهم في شركات كبيرة، لكن يظل الانتماء للمنطقة والتواصل مع الأهل والأصدقاء، وكانت عائلتنا مكونة من 7 أبناء وثلاث بنات وكنت أكبرهم، ونظراً إلى ذلك الموقع في الترتيب الأسري فقط تحملت المسؤولية بالكامل تجاه العائلة، وذلك ما أكده والدي في العديد من المناسبات حين كان يقول: "مهما درست فإنك في النهاية سترجع إلى هذا المكان".

- الحد في تلك الفترة لم تكن إلا لساناً بحرياً، فما هي ذكرياتك عن تلك الحقبة؟

مدينة الحد كانت محدودة الإمكانات، ومحدودة بالبحر من جميع الجوانب، وكذلك كان بيتنا وبوابته الخلفية التي تفتح على البحر، فنستغل فترة الجزر البحري للعب الكرة في براحة البحر الجافة، وعندما يحدث المد ندخلها مرة أخرى لصيد الأسماك والسباحة، وأذكر عندما كان يحدث المد، دخول المياه إلى المدرسة وارتفاعها إلى مستوى تضطر معه إدارة المدرسة إلى إلغاء الدراسة، وهذا الحدث كان يمثل لنا مبعث فرح وسعادة؛ لأننا سنلعب في الفريج.

- هل تذكر أحداً من المدرسين في تلك الفترة؟

كانت هناك نخبة من الأساتذة مثل أحمد المناعي ومحمد جعفر ويوسف محمود وجاسم المناعي، وجميعهم من نفس المنطقة، وكانت لهم هيبة ويتمتعون بالشدة في التعامل مع الطلبة بعكس التعليم اليوم.

وفي إحدى حصص التربية الإسلامية وقفت لأسمِّع حديثاً نبوياً شريفاً عن آية المنافق الثلاث، لكني ذكرت الحديث دون سنده للرسول عليه الصلاة والسلام أو ناقله من الصحابة، فما كان من الأستاذ إلا أن سألني: "من قال ذلك.. أبوك هو اللي قال الحديث؟".

- عادة لا تخلو فترة الطفولة من أحداث تبقى في الذاكرة؟

بالفعل ففي إحدى الرحلات المدرسية توجهنا إلى منطقة الزلاق وشاهدنا على مدى الأفق جبل الدخان المتواجد في الصخير، واعتقدنا أنه ليس ببعيد عنا، فقررت أنا وصديق التوجه إلى الجبل لصعوده، إلا أننا لم نتوقع المسافة البعيدة، واستغرقت رحلة الذهاب والعودة كل زمن الرحلة، حتى أننا كنا نركض للحاق بالحافلات التي حضرت لتعيد الطلبة إلى المدرسة بعد انتهاء الوقت.

- لم يكن هناك مدارس للمرحلة الإعدادية والثانوية في الحد؟

في عام 1966 انتقلت في المرحلة الإعدادية إلى مدرسة طارق بن زياد في المحرق، وكنا أول دفعة تفتتح المدرسة الجديدة وكان مديرها الشيخ عمر آل خليفة، ومثلت تلك النقلة من الحد فرصة للتعرف على طلبة من مناطق مختلفة في البحرين والاختلاط بجميع الأطياف وتشكيل صداقات متنوعة، وأذكر رفقاء الدراسة أبناء العائلة الكريمة ومن أبرزهم الشيخ خليفة بن عيسى والشيخ راشد بن حمد والشيخ راشد بن عبدالرحمن، وهم من سكنة المحرق.

- في تلك المرحلة شهد الوطن العربي والبحرين أحداثاً تاريخية؟

واكبنا في المرحلة الإعدادية النكبة الفلسطينية وما رافقها من خروج مظاهرات وتعطيل للدراسة لإخراج الطلبة في تلك المظاهرات، وكنا نتحين الفرصة للخروج من المدرسة، والمشاركة في تلك المظاهرات، ولذلك عرفنا القضية الفلسطينية منذ وقت مبكر. ثم انتقلنا بعد سنتين إلى مدرسة الهداية الخليفية الثانوية، واخترت المسار العلمي مع أصدقاء آخرين، وكان المدرسون فيها من الفلسطينيين والأردنيين والمصريين، وأذكر الأستاذ يس الشريف مدير المدرسة الذي أصبح سفير فلسطين في وقت لاحق، واعتقد البعض وجود صلة قرابة بيننا بسبب تشابه الأسماء رغم اختلاف الجنسية.

- ما هي دراستك الجامعية؟

في الشباب كنت أميل إلى تعلم مهنة الطيران، وفي تلك الفترة كانت شركة طيران الخليج مملوكة لدول الخليج وقد أجروا اختباراً لمجموعة من الطلبة من عمان والبحرين وقطر، لكن وقع الاختيار على شخص آخر يدعى جلال، فالتحقت بجامعة الخليج وبدأت دراسة إدارة الأعمال، بالتزامن مع العمل في معاونة والدي واكتساب الخبرة العملية إلى جانب الدراسة الأكاديمية. وبعد فترة علمت أن جلال تراجع عن دراسة الطيران، وكنت المرشح الثاني من بعده، لكني لم أفكر في العودة مرة أخرى لدراسة الطيران. واتسمت الدراسة في جامعة الخليج "جامعة البحرين حالياً" بالقوة حيث كانت الإدارة إنجليزية وتأتي بالاختبارات من بريطانيا، ولذلك كانت الشركات الكبيرة تتحين الفرصة لاقتناص الخريجين لإلحاقهم بالعمل لديهم.

- هل كان لك نشاط طلابي في الجامعة؟

توليت لجنة شؤون الطلبة باتحاد الطلبة، وكانت تلك بمثابة مجلس رعاية شؤون وقضايا الطلبة وهمزة وصل مع إدارة الكلية، وكانت الإدارة تشجع على التواصل مع اللجنة لبحث قضايا الطلبة وأن يكون لنا دور في حلحلتها، وهذا العمل الطلابي مثل مرحلة تأسيس لشخصيتي السياسية المدافعة عن حقوق الطلبة والتي ربما حدث فيها تصادم مع إدارة الكلية، حيث تظلم طالب من قرار أستاذ جامعي قام بتحويله إلى الدراسة المسائية رغم حصوله على الدرجات المؤهلة، وقد اختار بدلاً منه طالبة لم تحقق نفس المعدل، وعندما تحدثت للأستاذ تعذر بأن هذا الطالب "مشاغب"، لكني أبلغته بحق الطالب في الدراسة النظامية بناءً على درجاته، لكن الأستاذ أصر على رأيه، وهنا أبلغته أني سوف أخاطب العضو المنتدب من مكتب وزير التربية. وفوجئت بمحاولات من رئيس الجامعة للتراجع عن قراري لكني أكدت له حق الطالب وأنني لن أغير موقفي، فلم يجدوا مفراً من التراجع عن القرار وقبول الطالب في الدراسة النهارية، وتلك كانت تعتبر أول مواجهة مع الكبار.

- بداية العمل السياسي؟

قبل العمل السياسي كان لي تاريخ في العمل الرياضي، حيث كنت عضو مجلس إدارة نادي البحرين في عام 1974، إلى أن توليت رئاسة النادي في عام 1994 عامين، حيث كان الشيخ عيسى بن راشد الرئيس الفخري للنادي، ولي مواقف كثيرة معه في السفرات والمشاركات الرياضية خارج البحرين، ولقاءات كل يوم الخميس لنتحدث عن الشأن الكروي والنادي بمجمع العالي، وقد طلب مني يوماً أن أبحث عن مكان متوارٍ عن الأنظار حتى يستطيع الجلوس براحته، فاخترت مقهى بمجمع السيف، إلا أنه فوجئ بتوافد الناس للسلام عليه، وبعد أن انتهينا من جلستنا قال لي: لم يكن اختيارك للمكان موفقاً! "لقد أحسست أنني بواب عمارة.. كل من يمر يسلم علي".

ولقد كان الشيخ عيسى بن راشد من الشخصيات المتواضعة والمحبوبة في المجتمع البحريني من الجميع، حتى أن أقاربه من العائلة الكريمة يحسدونه على هذه الشعبية الجارفة التي لم تتكون إلا بسبب شخصيته المتواضعة.

وأذكر من مواقف الشيخ عيسى بن راشد الطريفة في أثناء رئاسته الفخرية للنادي، أنه كان يتشاءم من أحد الأعضاء ويعتقد أن حضوره المباريات يعني هزيمة الفريق، وقد كانت نظريته متحققة بالفعل، فكلما غاب هذا العضو عن مباراة حققنا الفوز، وعند حضوره يخسر الفريق، وفي إحدى المباريات المهمة اتصل بي هذا العضو ليسألني عن موعد المباراة فأبلغته أنها ستقام في السادسة مساءً، بينما كانت ستقام قبل ذلك الموعد بساعتين.

وعندما علم الشيخ عيسى بن راشد أنني فعلت ذلك قال لي: "زين سويت"، وبالفعل استطاع فريق كرة القدم تحقيق الفوز، وعندما علم عضو النادي أن المباراة انتهت سألني: لماذا كذبت علي؟ فأبلغته الحقيقة، لكنه تقبل الأمر ضاحكاً. وفي عام 1996 تم اختياري نائباً لرئيس اتحاد كرة القدم وبقيت في هذا المنصب سنتين، ثم قررت عدم التجديد، وقد كان وقتها رئيس الاتحاد الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئيس الاتحاد الآسيوي حالياً.

- متى بدأت دخول المعترك الاقتصادي بغرفة البحرين؟

في أثناء عملي بالرياضة دخلت في عضوية مجلس إدارة غرفة التجارة منذ عام 1993 حتى عام 2011، وكنت أصغر الأعضاء آنذاك، لكني عاصرت في تلك المرحلة قيادات بارزة من تجار البحرين الكبار، مثل رئيس الغرفة علي يوسف فخرو ورئيس مجلس الشورى الحالي علي صالح الصالح، وخالد كانو وعبدالنبي الشعلة وعبدالله ناس وتعلمت من الجيل المخضرم الكثير. وأذكر حين كان رئيس الوزراء الراحل الأمير خليفة بن سلمان يحرص على حضور انتخابات الغرفة بنفسه ليلتقي بالتجار ويتابع مجريات الانتخابات، وكان التجار يأتون سيراً على الأقدام من باب البحرين للمشاركة في الانتخابات التي تعتبر برلماناً مصغراً قبل برلمان عام 2002، وللغرفة دور كبير في التشريعات والقوانين التي تقرها الحكومة في تلك الفترة.

- حدثنا عن مرحلة العمل النيابي والسياسي؟

لم أكن متحمساً للعمل السياسي في البداية، ولكن بعد تأسيس جمعيات مثل الشورى والوسط والمنبر والأصالة، شهدت تلك الفترة تنافساً سياسياً، وكنت محسوباً على الجمعية الإسلامية فشاركت في تأسيس جمعية الشورى، التي كان رئيسها الشيخ عبدالرحمن عبدالسلام، وعندما تحددت الانتخابات البرلمانية في 2002، قررت الترشح مستقلاً وقدمت استقالتي من جمعية الشورى، وكانت دائرة المنطقة توصف بالحديدية لاحتوائها على كتلة تصويتية كبيرة، بلغت 8 آلاف صوت، لكني استطعت أن أفوز بمقعد الدائرة في أول برلمان.

وترأست في البرلمان أول لجنة للشؤون المالية والاقتصادية، حيث أسسنا تلك اللجنة من الصفر دون وجود آلية للعمل، لكننا وضعنا الأسس التي عمل عليها النواب الذين جاؤوا من بعد ذلك من حيث آليات مناقشة الحكومة والاجتماع مع الجهات ذات الصلة والنظر في الميزانيات والحسابات الختامية، وقد أسهم في تأسيس هذه اللجنة كوادر برلمانية بارزة، منهم النائب عبدالنبي سلمان والمصرفي عيسى أبوالفتح والوزير السابق جهاد بوكمال وجاسم عبدالعال وحسن بوخماس وعبدالعزيز المير وجاسم الموالي.

وفي برلمان 2006 قررت الاستمرار في الترشح، لكن أدركت في وقت متأخر جداً أن الحظوظ للجمعيات السياسية، ولم أتمكن من الوصول إلى المجلس، إلا أنه في عام 2010 أدرك الناس أن الجمعيات لم تكن على قدر المسؤولية وعملت لتحقيق مصالح أعضائها، وتلك كانت فرصة لعودة النواب المستقلين، وفزت على مرشح جمعية وعد المحامي سامي سيادي.

ولم أكن بعيداً عن انتخابات الغرفة، حيث كنت النائب الأول لرئيس الغرفة في عام 2014 وقدمت استقالتي بعد سنتين للتركيز في مجال عملي التجاري، حيث تم تحويل التجارة إلى شركة وتوليت رئاسة مجلس الإدارة مع إخواني.

- شخصية عثمان شريف الهادئة لا توحي بالتاريخ النضالي في العمل السياسي؟

على العكس تماماً؛ فقد كنت معروفاً بالنائب المشاكس وخاصة في قضية صندوق التقاعد، حتى أن بعض الموظفين قاموا بمحاولة رفع شكوى إلى النيابة العامة ضدي بتهمة الإساءة لهم، إلا أن الرد جاءهم من النيابة بعدم قبول شكوى جماعية، فلم يجرؤ أحد على تقديم شكوى فردية، هذا فضلاً على تمتعي بالحصانة البرلمانية.

- لو عاد بك الزمن إلى يوم اختبار الطيران، فهل ستغير مسارك أم تفضل ما أنت عليه اليوم؟

في الشباب كانت نظرتي للطيران كمهنة ستوفر لي متعة السفر والاستقرار، لكن هذه النظرة اختلفت مع الوقت، وبالتزامن مع مسار حياتي الذي كان مفعماً بالنشاط والتغييرات السياسية والاقتصادية واليوم أشهد أثر هذا المسار في حياة الناس والبلد، بينما لو كنت طياراً لما عايشت هذه الأحداث، ولما استطعت صناعة هذا التاريخ.