أيمن شكل - «تصوير: علي العمايرة»


رفضت المحاماة وبعد 6 سنوات انبهرت بالعمل القانوني
أبي وضع قوانين واجبة التطبيق في البيت حول احترام الآخرين
أملي كان وظيفة بوزارة الخارجية وطموحي العمل سفيرة
صنعت نفسي من جديــــــد بـ«الشورى» واستشعار مسؤولية صنع القرار نصب عيني دائماً
أيمن شكل - «تصوير: علي العمايرة»

رغم احتفاظها بحب الهدوء منذ طفولتها، إلا أن حياتها اتسمت بتجارب عظيمة وتحمل مسؤوليات كبيرة، فبدءاً من وقوفها لأول مرة أمام منصة القضاء والرعب من الموقف، مروراً باختيارها ضمن قامات عظيمة من أعضاء المجلس الأعلى للمرأة، ثم وقوفها لتتحدث وتتداخل في مجلس الشورى أمام أكبر الخبرات العلمية، لكن رباب العريض اتخذت قراراً داخلياً بأن تبقى كما هي الإنسانة البسيطة العادية.

وبين طموحها بعد التخرج بأن تصبح سفيرة أو موظفة بوزارة الخارجية، ورفضها للعمل في مهنة المحاماة، إلا أنها خرجت من مكتب لولوة العوضي ومحمد الوطني بانطباع «الانبهار» بالعمل القانوني الذي شكل مستقبلها المهني وما ترتب عليه من مناصب رفيعة.


المحامية والشورية السابقة رباب العريض قالت في حوار مع «الوطن» تناول مسيرتها، إنها درست القانون، في كلية الحقوق بجامعة حلب، وفيها قضت أحلى سنوات عمرها. وأضافت: «تخصصت في العلاقات الدولية، على أمل الحصول على وظيفة بوزارة الخارجية وكان طموحي أن أكون سفيرة، ورفضت أن أكون محامية لكن زوجي هو من أقنعني بدخول المحاماة على سبيل التجربة، وبعد أن قضيت مرحلة التدريب المهني في مكتب محمد الوطني، ثم لولوة العوضي، تغيرت فكرتي عن المحاماة وانبهرت بالعمل القانوني». وفيما يلي نص الحوار:

أين كانت بداية رباب العريض؟

- ولدت في المنامة لوالد من عائلة العريض ووالدة من عائلة العصفور، وأقف في المرتبة الخامسة بين أشقائي، ويليني شقيقين وأخت، ومعظمنا متقاربون في العمر ولذلك أصبحنا أصدقاء أكثر من أشقاء، ولم تكن هناك الكثير من الذكريات الخاصة بحياتي في بيت المنامة، لأننا انتقلنا في السابعة من عمري إلى مدينة عيسى المدينة الجديدة الناشئة، والتي شهدت مراحل دراستي الثلاث.

صفي لنا عائلة العريض؟

- كان الوالد يتمتع بالشدة والحزم في العائلة، ووضع قوانين واجبة التطبيق في البيت حول كيفية احترام الآخرين، فقد كان الحديث عن الطائفية أو ذكر شخص بطائفته أمرا مرفوضا في البيت، ولم تختلف الأم كذلك في الشدة معنا فقد علمتنا معاني الكرامة وعزة النفس. وأستطيع أن أطلق على مرحلة الطفولة الابتدائية مرحلة «الشقاوة الجميلة» والمرح رغم أنني كنت الطفلة الهادئة المهتمة كثيراً بدراستها بين زميلات الصف، لأن الدراسة كانت تمثل الأساس في توجهي للمدرسة، وتعرفت خلال تلك المرحلة على الكثير من الصديقات اللائي مازلت على اتصال معهن إلى اليوم ومنهن ابنة عمي باسمة العريض وسهى بوحمود، ولكن ظروف الحياة تؤثر اليوم على التواصل الحسي وتحولت إلى الهواتف بين حين وآخر.

هل هناك فارق بين طفولة الأمس واليوم؟

- إجمالاً فإن طفولتنا اتسمت بالحياة البسيطة في طبيعتها، فلم يكن هناك غيرة أو حقد بل نقاء وصفاء، وكانت المنافسة على التفوق من منظور حب العلم، وأرى مثل هذه الصفات مفقودة اليوم وأكاد ألحظها من خلال حياة أولادي، فقد أثرت السوشيال ميديا على حياة الناس بشكل مخيف، ولا أنكر وجود إيجابيات في العصر الحالي سواء في التعليم أو سهولة الحصول على المعلومة، إلا أن تلك الحياة أثرت حتى على براءة الأطفال.

ما رأيك في التعليم زمن أول والتعليم المعاصر؟

- ذكرياتي مع معلماتي كانت متباينة فبعض المعلمات كان لهن أسلوب تعليمي يعتمد على الشدة، بينما النسبة الأكبر منهن معلمات اتسمن بالرصانة والأسلوب التربوي، والحرص على توصيل العلم بأمانة، لكن لا يزال التعليم يعاني من مشكلة، المعلم الذي يبحث عن الطالب المتميز ويقوم بالتركيز معه بينما يتجاهل احتياجات الطلبة الأدنى والأكثر حاجة لتسليط الضوء عليهم وإعطائهم الفرصة ليتميزوا مثل الآخرين.

هل هناك من الأشقاء والشقيقات من حازوا شهرة رباب العريض؟

- كل أشقائي وشقيقاتي تميزوا في مواقع عملهم، فهناك أخ مهندس في شركة أسري، وأشقاء وشقيقات موظفون وأخرى برزت موهبتها لتصبح شيف حلوى، بينما الأصغر أصبحت طبيبة، وربما الحظ قد خدمني في مجال المحاماة أكثر من أشقائي، إلا أن لكل منهم موقعه وتخصصه.

هل واجهتِ اعتراضاً من الوالدين بشأن التوجه للخارج للتعليم في المرحلة الجامعية؟

- لم يكن هناك أي اعتراض من والدي على الدراسة خارج البحرين، خاصة وأن تلك المرحلة شهدت حرص من عائلات البحرين على تعليم أبنائهم في الجامعات العربية، وعلى الرغم من وجود فرصة للدراسة بجامعة البحرين في كلية الهندسة لكوني خريجة القسم العلمي، إلا أنني فضلت دراسة القانون، واخترت سوريا بديلاً عن جامعة الإسكندرية، لأن الحياة فيها خلال تلك الفترة كانت أقل كلفة عن مثيلتها في مصر، ودرست في كلية الحقوق بجامعة حلب، وفيها قضيت أحلى سنوات عمري. ولقد كانت الجامعة تستقطب طلبة من جميع الدول العربية، واستطعت آنذاك التعرف على جنسيات عربية مختلفة احتضنتها جامعة حلب وشكلت عندي ثراء ثقافياً وحضارياً من اختلاطي مع الزملاء العرب، وفي البداية وجدت صعوبة في فهم لهجات الأساتذة، لكن بالتدريج استطعت تجاوز هذا التحدي.

ما هي ذكرياتك حول الدراسة الجامعية؟

- حين انتقلت إلى حلب وجدت فرصة للسكن في دير بكنيسة كان يضم سكن طالبات، وهناك وجدت فيه زميلات من الكويت والإمارات وفلسطين والأردن وكذلك ضواحي سوريا، ومن جميع الأديان والأطياف حتى المحجبات، ولقد اتسمت إدارة الدير بالشدة والصرامة في قوانينها، حيث لا يسمح بالدخول أو الخروج بعد التاسعة، وهذه الأجواء كانت تستهويني، ووجدت فيه مكاناً مناسباً وأفضل من الإقامة بشقة خارجية، وكان يمثل لي الأمان أكثر من أي سكن آخر. وسنحت لي الفرصة خلال إقامتي في الدير بأن أتعرف على الطقوس والاحتفالات الدينية، التي كنا نحضرها، خاصة عندما كان يأتي البابا ويتحدث للجميع دون استثناء عن المسيح، وعشنا معهم احتفالات الكريسماس وأعياد الميلاد.

وماذا عن مدينة حلب؟

- حلب تعرف بأنها مدينة محافظة، لكنها تتحول في الصيف إلى أجواء كرنفالية واحتفالات وحفلات موسيقية تضج بها، حيث يأتيها سنوياً فنانون وفرق من جميع أنحاء العالم وأذكر حضور إحدى حفلات الباليه، وحفلة للفنان السوري شادي جميل.

ماذا عن الدراسة؟

- تخصصت في العلاقات الدولية، وتخرجت على أمل الحصول على وظيفة بوزارة الخارجية وكان طموحي أن أكون سفيرة، ورفضت أن أكون محامية نظراً للفكرة العامة التي كانت لدي عن المهنة، وبقيت في البيت سنتين أنتظر الوظيفة التي أحلم بها، لكن اضطررت لدخول المحاماة على سبيل التجربة، وأقنعني زوجي في تلك الفترة وقال لي: على الأقل ابدئي وجربي المهنة، وإن لم تعجبك عودي وانتظري الوظيفة. وقضيت مرحلة التدريب المهني في مكتب الأستاذ الكبير محمد الوطني، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مكتب الأستاذة القديرة لولوة العوضي، وعرفت حقيقة المحاماة مهنة الشغف والحماس وتغيرت فكرتي عن المحاماة والتي تكونت من خلال كلام الناس، وفي مكتب الأستاذة لولوة تعلمت الاهتمام بالقضية وطرق التفكير في القانون والمسؤولية القانونية للمحامي، ومازلت أسير على هذا الدرب، ولم أخرج من مكتبها إلا بعد ست سنوات كان خلاصة انطباعي عن التجربة بين مكتبي الوطني والعوضي هو «الانبهار» بالعمل القانوني.

كيف كان وقوفك أمام القاضي لأول مرة؟

- لا أنسى يوم وقفت لأول مرة أمام منصة المحكمة وفي مرحلة ضمت قامات قضائية فذة، منهم على سبيل المثال القضاة أحمد وهدان، وليد منصور وأسامة عبدالجواد وسالم الكواري والشيخ خليفة بن راشد بن عبدالله آل خليفة الرئيس السابق للمحكمة الدستورية، وكان أول يوم لي أمام القاضي أحمد وهدان حيث شعرت بالرعب وسألني عن بعض الأمور في القضية، لكن بسبب الرهبة لم أتمكن من الإجابة وشعرت أنني فقدت الذاكرة، وعلى الرغم من شدته في الجلسات، إلا أنه استشعر حالتي وقال لي: «يا بنتي سأعطيكي الملف واجلسي واقرأيه ثم عودي لتعطيني وجهة نظرك عما سألتك عنه بشأن القضية»، ولقد كان لكلماته مفعول السحر وشعرت بالراحة وجلست قرأت الملف ثم وقفت ووضحت له الدفوع. واليوم يفتقد كثير من المحامين لأسلوب التعامل مع القضاة وفي المقابل يحتاج المحامين لمزيد من وقت القضاء لإبداء آراءهم القانونية، وخاصة في القضاء المدني.

متى قررتِ الانفصال عن مكتب المحامية لولوة العوضي وافتتاح مكتبك الخاص؟

- في عام 2003 وبعد 6 سنوات، كان لابد من اتخاذ القرار الصعب لكن كان لدي إيمان داخلي بأن أقدم خدمة تتناسب مع مستوى فكري القانوني وما اكتسبته من خبرة، ولم أبتعد عن الأستاذة لولوة بعدها حيث قررت فتح مكتب في نفس البناية بالطابق السادس، ولا أنسى مساعدة إدارة البناية لي، حيث منحوني خصماً لمدة سنة على إيجار المكتب حتى أستطيع أن أواصل دون خسائر، ووضعت احتمال سنة بدون دخل، لكن لم يمر شهر واحد على افتتاح المكتب وقد استقبلت أول زبون.

حدثينا عن مرحلة المجلس الأعلى للمرأة؟

- في عام 2004 نلت الثقة الملكية بتعييني في المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم، وبقيت في هذا المنصب لمدة ست سنوات تعلمت خلالها الكثير في مؤسسة ملكية معنية بحقوق المرأة وبوضع استراتيجيات عمل منظمة في كيفية النهوض بالمرأة، باعتباره جزءاً من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، ولقد ساهم المجلس فعلياً في الارتقاء بأوضاع المرأة البحرينية، حيث شهدت المرحلة تولي المرأة العديد من مراكز القرار بدعم من المجلس. ولقد كانت المسؤولية كبيرة بالعمل في مجلس تتولى رئاسته قرينة عاهل البلاد المعظم، لكني تعلمت الجدية والمسؤولية من العضوات الدكتورة بهية الجشي والشيخة هند آل خليفة والأستاذة لولوة العوضي الأمين العام في ذاك الوقت.

وماذا عن مرحلة مجلس الشورى؟

- أذكر يوم صدر الأمر الملكي أنني كنت أحرص دائماً على قراءة الصحف صباحاً، وقرأت الخبر وسط مشاعر مختلطة بين الفرح والخوف من المسؤولية التي تتعاظم يوما بعد آخر، فبعد المجلس الأعلى للمرأة وجدت نفسي في السلطة التشريعية، وجال في مخيلتي عشرات الأفكار.. ماذا سأفعل وكيف سيكون الوضع مع المجلس والأعضاء والقامات الكبيرة فيه، خاصة وأنها مسؤولية وطنية عظيمة تتمثل في صياغة القوانين وتقديم الاقتراح بقانون.. وكيفية مناقشة القوانين والوقوف أمام رئيس المجلس والحديث بينما العيون تنظر والآذان تستمع لما أقول؟ لكني اتخذت قراراً بداخلي بأن أبقى رباب الإنسانة العادية سواء داخل أو خارج المجلس.

ماذا عن أول جلسة في المجلس التشريعي؟

- تم تعييني في الفصل التشريعي الثاني نهاية 2006 وأتذكر دخولي المجلس وأنا أحمل خليط من المشاعر والتساؤلات حول التعامل مع الزملاء، وشهدت هذه الجلسة مناقشة قانون المخدرات، واتخذت قراراً عاجلاً بأن أقف وأقدم مداخلة حول القانون المرتبط بمهنتي، وقلت لنفسي: إن لم أقف الآن وأكسر حاجز الخوف، فلن أتمكن من الوقوف والمناقشة أبداً، وفي البداية لم أعرف ماذا سأقول لكن كسرت حاجز الخوف. وأعترف أنه خلال السنوات الثماني في المجلس لم يفارقني الخوف والارتباك عند كل وقوف ومناقشة أي موضوع، لأنها مسؤولية كبيرة بأن أكون مشاركة في صنع التشريع، وأن يكون القانون متوافقا مع الدستور وهذه الأمور تحتاج لخبرة أخرى، فقمت بالتوسع في القراءة حول المحاكم الدستـورية واقتنيت كتب جمعـت الأحكـام الدستورية، وكانت فترة لصنـــــاعة نفسي من جديــــــد، ولـــــذلك أجد أن من يحاول الوصول إلى هذا الموقع أن يستشعر مسؤولية المشاركة في صنع قرار دولة كاملة والموازنة بين مصالح المواطنين والدولة. واليوم أنا راضية عن نفسي بما قدمته في تلك المرحلة الغنية من العمل التشريعي.