محمد رشاد - تصوير سهيل وزير


لم أندم على قرار بحياتي وأدين بالفضل لوالدي وأسرتي في نجاحي
تلقيت تهديداً من شخص محكوم بالسجن في قضية اغتيال كان والدي شاهداً فيها
أكملت تعليمي الجامعي في باكستان وحصلت على الدكتوراه في لندن
عملت كاتباً في محكمة البحرين الصغرى إلى أن شغلت 9 وزارات وترأست «بابكو»
«تعرض لمحاولة اختطاف حينما كان يعمل بأحد فروع شركة بابكو في مدغشقر عام 1972 وتم حينها طلب 80 مليون دولار فدية من شركة كالتكس».. بهذه الجملة لخص الدكتور عبدالحسين ميرزا أصعب التحديات التي واجهته في حياته خلال مسيرته لـ«الوطن»، مشيراً إلى أنه تمكن من الهرب برفقة أصدقائه في العمل إلى ليونيل.

ويشير ميرزا، الذي شغل مناصب عليا في الحكومة منذ عام 2002 حتى الآن، إلى أن من بين المواقف الصعبة التي واجهته أيضاً، تلقيه تهديداً من شخص محكوم عليه بالسجن في قضية اغتيال، كان والده رحمه الله شاهداً فيها بحكم عمله، مؤكداً أنه التحق بجامعة البنجاب في لاور بباكستان بتخصص اقتصاد، وتمكن من الحصول على المركز الأول، ومن ثم حصل على الدكتوراه في لندن. ميرزا، وهو الوزير السابق ومستشار مجلس إدارة الشركة القابضة للنفط والغاز، هو ذلك الرجل الذي جمع بين العلم والعمل فأجادهما ودفعاه للظهور، إلا أنه لا يهوى الأضواء، رغم أنه أحد أمهر صانعيها، ولم تأسره مناصبه في أن يكون بين الناس، حاضراً ومجالساً لهم، حريصاً على الإنصات والتعرف على همومهم ومشاكلهم.. وفيما يأتي اللقاء:

حدثنا عن نشأتك ودراستك؟


- ولدت في عام 1944 بفريج «المشبر» في حي المخارقة على يد الممرضة المعروفة فاطمـة الزياني، ودرست الابتدائية في مدرسة أبوبكر الصديق، بعدهــا انتقلت إلى المدرسة الثانوية التجارية فــي المنامة بسبب التحاق أصدقائـي بها فقررت أنا الآخر الذهاب معهم وبذلـت العطـاء والجهـد حتى أصبح ترتيبي الأول بين أقراني بالقسم التجاري، إلا أن سوء الحظ صادفني كون أن حكومـة البحريـن فـي ذلـك الحين لـم تكـن تبتعـث الطـلاب المتفوقـين مـن القسـم التجـاري للخارج فطلبـت مـن والـدي مسـاعدتي لاستكمال دراسـتي الجامعيـة فـي الخـارج لكــن والــدي، طلــب منــي أولاً أن أعمــل مـدة ســنة، لكي أتمكن مـن توفيـر بعـض المال واكتسب خبرة في الحياة قبــل أن أســافر إلــى خــارج البحريــن، حيــث لــم يتجــاوز عمــري 14 آنذاك، وكنت من أصغر الطلبة الذين أنهوا الدراسة الثانوية وتخرجوا منها بتفوق.

ومع إصراري على استكمال التعليم الجامعي وفقت بالالتحاق بجامعة «البنجاب» في لاور بباكستان تخصص اقتصاد وتمكنت من التفوق بفضل الله والحصول على المركز الأول، وتم ابتعاثي من خلال شركة «بابكو» إلى لندن لدراسة المحاسبة الإدارية والقانونية وحصلت على الشهادة بتقدير امتياز، ولم يتوقف طموحي عند هذا الحد، بل سعيت حتى حصلت على درجة الدكتوراه في إدارة التغيير من جامعة ميديلسكس في لندن.

حدثنا عن بدايتك في السلك الوظيفي؟

- أول عمل لي بالنسبة لي كان بوظيفة كاتب في محكمة البحرين الصغرى الثالثة وذلك في عام 1960، وشاركت في إعداد محاضر الجلسات وإعداد جدول القضايا وفي نفس الوقت كنت أدرس في المعهد الثقافي البريطاني للحصول على شهادة الـ GCE، ثم التحقت للعمل بالنظام الجزئي في شركة نفط البحرين «بابكو» وعملت فيها مدرساً بمدرسة التدريب، وانتقلت في 1971 للعمل في فرع المالية والشؤون القانونية، وتدرجت في المناصب من بين رئيس للمجموعة إلى مشرف ثم أصبحت مديراً ومديراً عاماً مساعداً لشؤون المالية وتقنية المعلومات.

وبعدها وقع الاختيار علي لأكون أول موظف بحريني في بابكو يتم اختياره ضمن فريق الإدارة الدولية في شركة كالتكس المالكة آنذاك شركة بابكو، ولديها فروع في 60 دولة حول العالم حيث عملت في فروع الشركة بكل من: مصر، والولايات المتحدة الأمريكية، ونيروبي، ومدغشقر، وجزيرة رينيون، بجانب المكتب الرئيس لكالتكس في مدينة نيويورك، وبعدها عدت إلى البحرين بمنصب مدير عام للمالية والشؤون القانونية بشركة بابكو وأمين السر لمجلس إدارة بابكو وذلك في عام 1980، قبل أن أتولى مسؤولية المدير العام لفرع الخدمات بالشركة، ومن ثم توليت منصب نائب الرئيس التنفيذي لشركة بابكو في عام 1998، والرئيس التنفيذي للشركة كأول بجريني يتولى هذا المنصب.

حدثنا عن تعيينك بالشورى؟

- في البداية شرفني حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم بتعييني في عام 2000 عضواً في مجلس الشورى إلى جانب منصبي في شركة بابكو، وكان المجلس حينها الجهة التشريعية الوحيدة في المملكة، وأتذكر جيداً في 29 سبتمبر 2000 أنني تلقيت مكالمة من الديوان الأميري تفيد باختياري عضواً فـي المجلس ولقد أفرحتني هـذه المكالمة، كما أسعدني أكثر تعييني مع مجموعة من أصدقائي ومـن بينهم مراد علي مراد، وخالد المسقطي وغيرهمـا، بجانب مجموعة من أبناء جيلي ومن هم أكبر منا ويقودنا المرحوم إبراهيم حميدان، وعين معنا إبراهيـم نونـو، وإبراهيـم زينل، وأحمد مبـارك النعيمي، وأحمـد محسـن سـلوم، وباقـر النجـار، وبهية جواد الجشي، وتقــي البحارنــة، وجاســم الوافــي، وجمال فخـرو، وحسـن العريـض، وخليفـة الظهرانـي، وعبدالله جمعـة، وعبداللطيف السـكران، وعلـي جعفـر العــرادي، وفــؤاد صالــح شــهاب، ومحمـد دادابـاي، ومريم الجلاهمة، ومنصـور بـن رجـب، ومنـى الزيانـي.

وخـاض المجلـس في ذلك الوقت كثيراً مـن القضايـا، ودرس عـدداً كبيراً من القوانين فـي ظـل المتغيرات التـي أتـى بهـا عاهل البلاد المعظم، ومـن أبـرز المواضيـع التـي اسـتغرقت وقتاً طويلاً كان قانـون البلديات الجديـد بعـد تقسـيم البلديات المركزيـة إلـى 5 بلديـات، وكذلـك قانون المحافظات، وموضوع البطالـة، ومواضيـع أخرى كثيرة، كما تم اختياري عضـواً فـي إعـداد التشـريع لإنشاء ديـوان الرقابـة الإدارية وهـي واحـدة مـن عـدة لجـان أذكـر منهـا علـى سـبيل المثـال: جلسة إعـداد مقتـرح قانـون الجمعيـات الأهلية، ولجنـة إعـداد مقتـرح قانـون الصحافـة والطباعـة والنشـر، ولجنـة إعـداد قانـون المناقصـات، وغيرها من اللجان التي كان صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء يشرف عليها مباشرة.

وماذا عن توليك أول منصب وزاري في حكومة البحرين؟

- يومها كنت أزاول عملي فــي مصفاة بابكو رئيس بالإنابة، فتلقيـت عنـد السـاعة الحاديـة عشـرة والربـع مـن صبـاح السـبت، في نوفمبـر 2002 مكاملـة هاتفيـة مـن علـي العريـض بديـوان الأمير الراحل خليفة بن سلمان طيب الله ثراه، يبلغنـي فيهـا أن سموه يريـد مقابلتـي، ويجب الإسـراع في الحضـور إلـى دار الحكومـة، وبالفعل وصلت في الوقت المناسب واسـتقبلني الأمير الراحل أحســن اســتقبال، وأثنى علـى كفاءتـي، ثـم أبلغني سـموه رحمه الله بأن القيــادة قــررت أن أشــارك فــي مجلــس الــوزراء القــادم بصفة وزير للدولة، ولا أخفي عليك أنه غمرتني السعادة ولم أتردد ولـو لجـزء مـن الثانية في أن أبلـغ سـموه أنـي حاضر في أي وقت متى ما طلبت مني القيادة، وشكرت سموه ثم ركبــت ســيارتي عائـداً إلــى مكتبــي فــي المصفــاة آخر مرة بوصفي رئيساً لها بالوكالــة.

ثم اتصلـت بزوجتـي وأبلغتها بالقرار فغمرتهـا الفرحـة وباركـت لـي ودعت لي بالتوفيق والنجاح، وفـي اليـوم التالـي ذهبـت إلـى دار الحكومـة واستلمت مفاتيح مكتبي فــي بناية دلمــون مقابل مبنــى بنــك البحريــن الوطني، وبعـد نحـو شـهر مـن التعيين، أي فـي 2 ينايـر 2003، تم تكليفي بتولي منصـب جديـد وهـو رئيـس مجلـس المناقصـات، بالإضافـة إلى عملـي وزيـر دولـة.

ما هي المواقف الصعبة التي لا تزال عالقة في ذهن ميرزا؟

- حياتي مليئة بالمواقف الصعبة والمفرحة مثلي مثل غير من البشر، ولعل ما تسعفني الذاكرة ذكره، هو الموقف الذي ترك لي أثراً في رقبتي حتى اليوم، حيث كانت تجلس عائلتي في إحدى ليالي الشتاء القارسة البرودة فإذا بجمـرة صغيـرة أكبـر مـن الشـرارة، تقفـز مـن مكانهـا متجهـة مباشـرة إلـى رقبتـي فالتصقـت بهـا وأخـذت أصــرخ مــن الألم فأخذونــي إلــى مستشــفى الإرســالية الأمريكيـة لكــي يزيلــوا الجمــرة مــن جلــد رقبتــي.

وكان من أصعب وأشد المواقف وفاة والدي رحمه الله الذي كان المثل الأعلى لي في كل شيء، كذلك تعرضت لكسر بسبب لعب كرة القدم وأنا ابن 12 عاماً؛ فقــد ارتطــم بــي أحــد لاعبي الفريــق الآخــر فســقطت أرضــاً، بينمــا قفــز هــو ليتفـادى التعثـر بـي والسـقوط فوقـي، لكنـه نـزل بـكل ثقلـه علـى معصمـي الأيمن مـن دون قصـد منـه بالطبـع، واصطحبني والدي إلى المستشـفى الحكومـي، فأجريـت لـي أشـعة سـينية وأدخلونـي غرفـة العمليـات لتجبيـر الكسـر.

كما أتذكر حادثـة ظلـت عالقـة فـي ذهنـي حتى يومنا هذا، وهو تهديد أحد الأشخاص المحكوم عليهم بالسجن في قضية اغتيال كان والدي رحمه الله شاهداً فيها بحكم عمله وظل هذا الشخص يهـدد والـدي بأنه سيلحق الأذى بي، كما لا أنسى الحريق الذي اندلع في نوفمبـر 1972، نتيجة انفجـار وقـع فـي الخـزان رقـم 474 الـذي كان يحتوي علـى حوالي 19.000 برميـل مـن مشـتقات النفط، وخاصة المشـتق الإنتاج وقـود الطائـرات ولـم يتوقـف الحريـق عنـد هـذا الخزان، بـل تسـببت النيـران فـي انصهـار جدرانـه الفولاذيـة، وتسـبب الحريـق فـي إتلاف 4 خزانـات أخـرى، وإحـداث عطـب فـي ثلاث خزانـات إضافيـة، وإتلاف 1500 من أنابيب المشتقات النفطية.

ولا أنسى محاولة اختطافي في مدغشقر وطلب فدية وقتها تبلغ 80 مليون دولار من شركة كالتكس، إلا أنني برفقة أصدقائي في العمل تمكنا من الهروب إلى ليونيل.

حدثنا عن هوايتك المفضلة؟

- بالطبع كان الرســم والفن التشكيلي وممارسة كرة القدم أبرز اهتماماتي في ذلك الوقت فكنت شغوفاً بها، فضلاً على حبي للقراءة في كل المجالات الثقافية والأدبية والسياسية وغيرها من العلوم، وكذلك رياضة المشي التي تعد ثقافة موروثة في المجتمع البحريني، بجانب شغفي بكتابة ذكرياتي بشكل يومي لتدوين الأحداث والمناسبات بما ساعدني عندما نويت كتابة سيرتي في خدمة الوطن في توثيق هذا الأمر بما كتبته بخط يدي.

هل ترى أن هناك أسباباً غير العمل لها دور في النجاح؟ وهل ندمت على قرار؟

- أجيب عن هذا السؤال من خلال حصيلة تجربتي في الحياة التـي قضيـت منهـا نحـو 60 عامـاً فـي العمـل والتعلـم والتطبيـق، ومـن القطـاع الخـاص، وشـبه الخاص إلـى القطـاع العـام ففي جعبتـي دروس وعيتهـا، وطبقتهـا، أو كانـت نتيجـة تجارب ومواقــف، حينمــا أســتعرض هــذا الشــريط الطويل مــن الذكريات لا يســاورني الندم أبـداً ولــم أرد بقسـوة علــى موقــف معين، فلــو فعلــت ذلك لندمت الآن، تعاملت بالنزاهـة والصـدق والشـفافية في التعامـل، وصنعـت مـن ذلـك منهاجـاً للحيـاة، متمنياً من الله عز وجل أن أكـون قـد تركت بصمة في جميع المناصب التي كلفت بها، وعلى الجيل الحالي أن يدرك جيداً أن النزاهة في العمل وعدم خرق القوانين والأنظمة والصبر والتحمل والمثابرة ومشاركة المعلومات مع الآخرين والتسامح والتناسي والتغاضي عن أخطاء أو إساءة الآخرين وعدم حمل الضغائن، والولاء للقيـادة الرشـيدة وحـب الوطـن جميعها دروس وعبر لكي نتمكن من السير على الطريق الصحيح في خدمة الوطن.

تقلدت 9 مناصب وزارية على مدار 20 عاماً فهل أنت راضٍ بما قدمت؟

- بالطبع نعم لقد كان شرف كبير أن يتم اختياري وأحظى بثقة ملك البلاد المعظم لهذه المدة الطويلة وأن أعمل بجوار الأمير الراحل خليفة بن سلمان آل خليفة بحنكته المعروفة رحمه الله فهو رجل دولة من طراز فريد وتعلمت منه الكثير خلال فترة عملي بالحكومة، كما أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الذي يقود الحكومة بكل اقتدار وحنكة، له الكثير من الأفضال علي شخصياً لما لمسته من سموه من حرص كبير على كل ما هو في صالح الوطن والمواطنين ودائماً كانت توجيهاته نبراس العمل الحكومي.

ولا ننسى أبداً دور سموه البارز إبان جائحة كورونا وتطويره للمنظومة الاقتصادية فى البلاد نظراً إلى إيمان سموه بأهمية الاقتصاد في تحقيق التنمية ورفاهية الشعب، ولا أنسى أن أخص بالشكر صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة وبصماتها الواضحة في قطاعات المرأة ونجاحات مبادرات سموها للتنمية الزراعية.

كم عدد المرات التي تم تكريمكم فيها؟ وما هي الجوائز التي حصلت عليها؟

- نلت العديد من الأوسمة والميداليات منها وسام البحرين من الدرجة الأولى من صاحب الجلالة الملك المعظم في عام 2011، ووزير العام من مؤسسة منشورات البترول الاقتصادية العالمية في 2016، في العاصمة البريطانية لندن، وجائزة رجل العام من الاتحاد الآسيوي لتنمية الموارد البشرية في 2013، وكنت أول بحريني ينال زمالة معهد الطاقة العالمي، وإلى جانب ذلك قمت بنشر عدد من البحوث والمقالات العلمية وكنت المتحدث الرئيسي في عدد كبير من الفعاليات والمناسبات كما ألفت 4 كتب أحدها يتناول تاريخ النفط في البحرين والآخر بعنوان كلمات في 5 سنوات، والثالث عن تاريخ الكهرباء والماء والطاقة المستدامة أما الرابع فتناول مسيرتي في خدمة الوطن.