أيمن شكل – تصوير نايف صالح


أول أمين عام لمركز التحكيم الخليجي

ترشحت في جميع الانتخابات النيابية منذ البداية وحتى استحقاق 2022


درست وزوجتي في موسكو.. وهناك رزقنا بأول الأبناء «بدر»

«صاروخ فاشل» غير الفكر النضالي إلى العقل والسياسة


أكد عضو مجلس النواب السابق يوسف زينل أنه تشرف بخدمة الوطن من خلال المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، مشيراً إلى أنه مع بداية المشروع الإصلاحي وتشكيل اللجنة العليا للميثاق كان له الشرف بأن يكون أحد أعضاء اللجنة ويحوز ثقة جلالة الملك المعظم.

وقال زينل في حوار مع «الوطن» سرد فيه مسيرته، إن المشروع الإصلاحي رد إليّ روح السياسة لخدمة وطني، وفي هذه الآونة أتيحت لي الفرصة لخدمة الوطن من خلال باب مفتوح، مضيفاً، مع بدء الانتخابات النيابية قررت المشاركة ووفقني الله في دخول برلمان 2002، ولم تجرَ أي انتخابات نيابية منذ بدايتها حتى اليوم إلا وترشحت فيها»، مشيراً إلى أنه فاز بعضوية البرلمان مرة ثانية في عام 2018، معرباً عن اعتزازه بمشاركته السياسية لخدمة الوطن والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم. وفيما يلي نص الحوار:

حدثنا عن مرحلة الطفولة؟

- ولدت عام 1950 في منطقة تسمى «التيل» اختصاراً لكلمة تيليغراف حيث كان الإنجليز قد أنشؤوا محطة للتليغراف في هذه المنطقة ولذلك سميت بهذا الاسم اختصاراً، وهذه المنطقة تقع في وسط الحورة بين فريج بن سوار والذواودة والعوضية والقضيبية، وقريباً من منطقتنا كان أيضاً فريج البلوش المتاخم لفريج الحدادة.

وعمل والدي في البنك البريطاني بالشرق الأوسط لفترة طويلة من عمره ناهزت 15 عاماً، وقبلها عمل في مصفاة البترول ببغداد، ثم قرر العمل بالتجارة وافتتح دكاناً.

كيف يمكن أن تصف المنطقة التي كنت تعيش فيها؟

- ميز المنطقة شيئان.. الأول وجود فسيفساء وتنوع مختلف من الجنسيات والإثنيات والأديان، شكل مزيجاً فريداً، وخلق هذا المحيط تنوعاً يفيض بروح التسامح مع الكل سواء أعجمياً أو عربياً.

والثاني هو ثراء المنطقة بالمدارس فقد تم تحويل محطة التليغراف فيما بعد إلى مدرسة الحورة للبنات ونادي بتلكو، وكانت هناك العديد من المدارس الأخرى، ولا أنسى الرجل الذي أنشأ مدرسته الخاصة لتعليم البحرينيين اللغة الإنجليزية والطباعة على الآلة باللغتين وهو الأستاذ عبدالرسول التاجر، حيث كان بيته ومدرسته ملاصقين لبيت جدي وكنت أتسلق لأدخل المدرسة، ثم توجهت إلى مدرسة الشرقية التي كانت بشارع الشيخ عبدالله وبداية السوق، إلا أنهم قرروا إغلاقها فانتقلت مع مجموعة إلى مدرسة الوسطى وبعدها صارت «الإمام علي» وكانت بعيدة عن بيوتنا ونمشي لها في جميع الأجواء، وإذا تأخرنا عن موعد المدرسة تنتظرنا خيزرانة الأستاذ لتضع لمساتها على كفوفنا، وهذا النوع من العقوبات استخدمه بعض المعلمين مما جعلني أكره بعض المواد الدراسية.

وما زلت أذكر مدير المدرسة الأستاذ أحمد شبر الذي كان رجلاً مثقفاً وذا رؤية مغايرة، حيث ابتعث إلى بريطانيا وعندما عاد منها، أراد تطبيق بعض التجارب التي رآها هناك، ومن بينها تجربة المقصف المفتوح، حيث كانت عملية الشراء من مقصف المدرسة تشهد ازدحاماً شديداً في وقت الفسحة، فقرر وضع المأكولات والمشروبات على طاولة أمام الطلبة بحيث يأخذ الطالب ما يريده ويدفع الثمن ويمشي، إلا أن الفكرة لم تنجح وحدث عجز في مدخول المقصف بسبب ثقة المدير في طلبة كانوا يأخذون الأكل دون دفع قيمته.

كم كان المصروف آنذاك؟

- أحياناً كنت أذهب للمدرسة بدون مصروف، حيث كانت والدتي تجهز لنا سندوتشات للاستغناء عن المقصف ومشاكله، ولكن كان متوسط المصروف في تلك الفترة «أربع آنات».

متى بدأت علاقتك بالعمل السياسي؟

- المدرسة الإعدادية ومدرسة القضيبية كانتا زاخرتين بالفعاليات الاجتماعية والفنية، فكان في مدرستنا مسرح أقيمت فيه مسرحيات عن ثورة الجزائر التي جاءت في فترة الستينات، فكنت أشارك في المنولوجات.

وتزامن ذلك مع بداية المد القومي الذي جاء به جمال عبد الناصر وكذلك الفكر اليساري فيما بعد، وهذا كان له أثر في مناط تفكيري وفي حياتي كلها، وأذكر حين دخل التلفزيون إلى البحرين في نهاية الخمسينات، كان التليغراف يشوش على الإرسال، فنقوم بالصعود على سطح البيت وتغيير الوضع الهوائي لالتقاط أوضح صورة، إلى أن قرروا إزالة المحطة لوجود محيط من البيوت السكنية حولها.

من هم الأصدقاء الذين بقوا من مرحلة الطفولة وحتى اليوم؟

- لدي أصدقاء من الطفولة مازلت أرتبط بصداقتهم حتى اليوم مثل أحمد أحمدي صديق الطفولة، وإسماعيل محمد علي زوج سفيرة البحرين بالقاهرة فوزية زينل، وصلاح عرشي، فضلاً عن عائلة زينل وأطفالها، وكذلك فيصل وأيوب وجاسم سوار الذين ترافقنا معاً في المدرسة، وهناك العشرات من الأسماء التي أتذكرها ولكن لا يسعني الوقت لذكرهم جميعاً.

وتميزت فترة ما قبل المدارس بوجود امرأة تدرس لأطفال الفريج القرآن وأصول الدين كنا نسميها «المطوعة» وقد ورثت من والديها هذه المهنة، وتلك المرأة تشبعنا منها هذه الروح.

تتميز فترة الطفولة بشقاوتها والأعمال غير الاعتيادية، فماذا لديك من ذكريات لشقاوة الطفولة؟

- عاصرت المرحلة النضالية التحررية عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكان الحماس يدفعنا لأن نفكر بفعل أشياء غريبة، ومن بين تلك الأفكار أننا قررنا صناعة «صاروخ» أنا وصديقان كان أحدهما يدرس العلوم وتمكن من الحصول على التركيبة الخاصة بمكونات الصاروخ من كبريت وفحم وفوسفات، وبالفعل ذهبنا واشترينا هذه المواد وجلسنا فوق سطح البيت نصنع الصاروخ بخلط هذه المواد وطحنها حتى أصبحت مسحوقاً ووضعناها في وعاء خفيف يتحمل حرارة الكبريت مصنوع من الكرتون المقوى والخياش.

وحددنا ساعة الصفر والمكان بفريج الحدادة بمنطقة العروش، واخترنا وقت الإفطار في شهر رمضان لكي يتداخل صوت انطلاق الصاروخ مع مدفع رمضان، ولكي تعتقد الناس أنه مدفع الإفطار، وقمنا بإشعال فتيل الصاروخ وانتظرنا انطلاقه، إلى أن وصلت النار لمنطقة المادة الكبريتية وتفاجأنا به يدور حول نفسه ويطلق دخاناً كثيفاً لكنه لم يرتفع عن الأرض.

والطريف في الأمر هو شعورنا بأننا أبطال يبحث عنهم الإنجليز بعد تفجير الصاروخ الفاشل، وبالفعل اختبأنا في سطح أحد بيوت الفريج وقررنا العودة إلى بيوتنا بالتخفي، وطلبت من إحدى بنات الفريج أن تعطيني عباءتين، فكنت أرتدي واحدة وصديقي الأخرى، ثم أقوم بتوصيله إلى بيته وأعود للثاني ليرتدي العباءة وأعود به لمنزله، ثم عدت بعدها لبيت أبي وفي اليوم التالي أرجعت العباءتين للبنت، واعتقدنا يومها أننا أفلتنا من رقابة الإنجليز.. لكنها كانت تهيؤات.

وماذا حدث بعد حادثة الصاروخ الفاشل؟

- وجدنا أن هذا الطريق لا يصلح لنا، واتجهنا إلى النضال السلمي، وفي مدرسة الحورة الإعدادية، توجهنا للفكر الناصري القومي والحركات الوطنية، وفي عام 1966، جاء المرحوم عمر الشملان الذي كان يكبرني في العمر، وفاتحني في الانضمام للحركة القومية، وبدأت أقرأ الكتب والمنشورات وأطلع على قصص النضال الدولية.

من أين كنت تأتي بتلك الكتب والمنشورات؟

-جميع القوى السياسية في تلك الفترة كانت تمتلك مكتبات ثرية بهذا النوع الذي يخدم توجهاتها، ومن ضمنهم جبهة التحرير الوطني التي انضممت إليهم، وكانت الكتب توضع في أكياس ورقية ويتم توزيعها، فكنت أخبئ كتاباً أو كتابين بين كتب المدرسة لكي أعطيهم لزميل كي يقرأهم، وهو بدوره يقوم بإرجاعها لكي تذهب لآخر.

ما هي الأنشطة الأخرى التي كنت تؤديها في التنظيم؟

- لم يقتصر الأمر على الكتب؛ حيث كانت الجبهة تنظم جلسات حوارية لقراءة كتاب مهم ومناقشته، كما كنت أتولى عملية ضم أعضاء جدد للتنظيم ومعرفة ميولهم وإمكانية انضمامهم، كذلك العمل في مساعدة الناس ومعرفة مشاكلهم وكتابة تقارير بشأن كل هذه الأمور.

هل كان والدك موافقاً على هذه التصرفات؟

- الجو العام في المنطقة والبحرين اتسم بالحماس، ولقد حاول والدي في البداية إثنائي عن هذه الأفكار والأنشطة مستخدماً النصح تارة والطرد من البيت تارة أخرى، لكن ذلك لم يؤثر على حماسي وحبي للنضال.

كم حركة نضالية كانت نشطة في تلك الحقبة؟

- تمتعت حركة القوميين العرب بجماهيرية كبيرة خلال منتصف الستينات، وأيضاً جبهة التحرير التي تميزت بالفكر الماركسي والعمل التنظيمي المتقن وكانت قوتهم في العمل بهدوء واستراتيجية واضحة وفكر وبدعم من الاتحاد السوفيتي.

وبعد هزيمة 1967 بدأت حركة القوميين العرب بالتشظي، حيث اختار جزء منهم اليسار الماركسي ومجموعة بقيت على حالها ومتمسكة بمبادئ الحركة والمسمى الخاص بها، ومجموعة ثالثة بدأت بالعمل الوطني، وبدأت الحركات السياسية تتبلور مع بداية السبعينات وظلت جبهة التحرير على مسارها وبدأت في ابتعاث طلبة للدراسة في الاتحاد السوفييتي وكنت أحد هؤلاء المبتعثين عام 1971.

وكيف ذهبت إلى موسكو؟

- لم يكن هناك جامعة في البحرين مع بداية السبعينات، إلا المعهد التعليمي، وفرص الدراسة الجامعية المتاحة إما التوجه إلى دولة عربية أو أوروبية، والأخيرة كانت صعبة بسبب تكلفتها المادية المرتفعة، وأتيحت لي الفرصة للدراسة المجانية في موسكو مع توفير السكن وحوالي 90 روبلاً كمصروف للمأكل تستطيع أن تكفي الطالب للعيش بيسر، وذلك من خلال التنظيم وتم إرسال أوراقي إلى موسكو حيث توجهت إلى بيروت أنا والراحلة زوجتي التي درست معي في موسكو.

ومن المواقف الطريفة حين ذهبت إلى لبنان لمقابلة صديقي عبدالله راشد الذي كان يسكن بمنطقة برج البراجنة ومتزوج فيها، وسألنا الناس هناك عن بيت عبدالله راشد البحريني، فأجابت سيدة بأن هذا بيته وقد خرج لفترة وسيعود وبإمكانكم انتظاره، وقامت بضيافتنا وتقديم القهوة، وبينما نحن جالسون في الشرفة ننتظر عبدالله راشد، وجدناه يمر من أمام المنزل دون أن يتوقف، فناديته وعندما التقيناه سألني لماذا أنت في هذا البيت، فقلت له إن هذه السيدة أبلغتنا بأنه بيتك، لكن تبين فيما بعد أن بحريني آخر يدعى عبدالله راشد متزوج من السيدة اللبنانية ويسكن في نفس المنطقة.

ما نوع الدراسة التي اخترتها في جامعة موسكو؟

- اخترت دراسة القانون الدولي وتخرجت في فبراير عام 1977، وأذكر وقت أن وصلنا موسكو كان في فصل الصيف والجو ممتع والطبيعة خلابة، لكن عندما بدأت الدراسة ومع منتصف سبتمبر وبداية أكتوبر بدأت البرودة تتوغل في الأجواء، ولم يكن أمامنا سوى التكيف مع الثلوج وارتداء البالطو والشابكة والبوت، بينما كانت البيوت والقاعات ووسائل المواصلات كلها تعمل بالتدفئة المركزية لتكافح برودة الأجواء التحت صفرية.

ولم يخلُ الأمر من مقالب طلبة الجامعة، حيث كان لنا صديق يحب أن ينام بعد العودة من الكلية وبالذات عند الساعة الثانية بعد الظهر، وجاء أحد الطلبة يريد تصليح جهاز الكاسيت الخاص به، فأبلغناه بأنه يوجد شخص يستطيع أن يصلح لك الكاسيت في غرفة رقم «11» ولكن يجب أن تذهب إليه عند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر.

وبالفعل توجه إلى غرفة الطالب وطرق الباب ولم يتركه إلا بعد أن استيقظ وفتح له، فأعطاه الكاسيت وطلب منه إصلاحه بسرعة لأنه يحتاجه، لكن صديقنا لم يفهم ما يطلبه منه هذا الغريب والذي جاءه في وقت غير مناسب تماماً وكاد أن يتشاجر معه، لكنه أدرك بعد لحظات أن هذا مقلب من الزملاء.

من هم رفقاء درب الدراسة في موسكو الذين تتذكرهم؟

- أذكر من جماعة كلية القانون جاسم أحمد من منطقة رأس رمان، وعلي الخاجة والراحل محمود العامر، وحميد معماري، وكذلك مجموعة دارسي الاقتصاد مثل محمد العسومي وعبدالجليل صالح النعيمي وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم.

هل تزوجت قبل سفرك إلى موسكو؟

- الحقيقة أني «ملجت» قبل السفر وبعد العام الأول عدنا وأقمنا حفل زواج بحسب طلب الأهل الذين أرادوا أن يقام العرس بحضورهم، وعدت مع زوجتي التي كانت تدرس في جامعة موسكو العلوم التاريخية.

ولقد كان من المصادفة الجميلة أن أول طفل لنا «بدر» من مواليد موسكو، وفي تلك الأيام لم يكن هناك سفارة لموسكو في البحرين فذهبت بشهادة الميلاد إلى الكويت لتصديقها ومن ثم تكملة الإجراءات في البحرين.

كيف كانت الحياة العملية بعد الدراسة؟

- عملت في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وأتيحت لي آنذاك فرصة الدراسة الأكاديمية في السويد لسنتين، وعدت لأدرس القانون البحري والتأمين وذهبت إلى مالطة للحصول على الماجستير، وانشغلت بالعائلة بعد ذلك ولم أتمكن من الحصول على الدكتوراه. وكنت أول أمين عام لمركز التحكيم الخليجي لمدة 8 سنوات، واليوم المركز يحقق إنجازات كبيرة وأنا عضو مجلس إدارة هذا المركز.

ماذا عن العمل السياسي؟

- مطلع الثمانينات تركت التنظيم وأصبحت سياسياً مستقلاً، وبدأت التركيز على المهنة وخاصة التحكيم، وعندما أتيحت لي الفرصة كأول أمين عام لمركز التحكيم الخليجي وافقت، وعدت من الخارج لأستقر في البحرين، خاصة مع بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتشكيل اللجنة العليا للميثاق حيث كان لي الشرف أن أكون أحد أعضاء اللجنة وأحوز ثقة جلالة الملك المعظم. وفي تلك الآونة ردت إليّ روح السياسة لخدمة وطني من خلال باب مفتوح، ويوم أن بدأت الانتخابات النيابية قررت المشاركة ووفقني الله في دخول برلمان 2002، ولم تجرَ انتخابات نيابية منذ بدايتها حتى اليوم إلا وترشحت فيها، ولم تتيسر الأمور معي مرة أخرى إلا في عام 2018، لكن لا أسمي عدم دخولي البرلمان في تلك الفترات فشلاً، ولكنها مشاركة سياسية في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، وأعتبر نفسي أنني خدمت وطني، وأعتز بذلك.