أوضح أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق في جامعة البحرين د. بدر عادل أن أركان الاتحاد الكونفدرالي متوفرة في مضمون اتفاقية مجلس التعاون فهي دول مستقلة وذات سيادة تامة اتحدت بموجب اتفاقية حددت أغراضها المشتركة في المجالات منها الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات. وأشار د. بدر عادل إلى أنه إذا كانت دول المجلس تسعي إلى إقامة اتحاد كونفدرالي فهو متحقق على أرض الواقع، فنظرة سريعة للنظام الأساس لمجلس التعاون لدول الخليج العربي لنجد أن نص المادة الرابعة منه تؤكد أن أهداف المجلس تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، أي أن المجلس أُنشئ في شكل اتحاد ووسيلته للوصول إلى هذا الاتحاد هو التعاون والتنسيق المشترك بين أعضائه شأنه شأن الاتحادات التعاهدية أو الكونفدرالية وإن لم يصرح بهذه الكونفدرالية في النظام الأساسي، ولا ينال من كونه كذلك عدم النص على ذلك بشكل صريح فكل من الاتحاد السويسري التعاهدي المبرم سنة 1815م والذي تحول بعد ذلك سنه 1848م إلى اتحاد فدرالي، والاتحاد الأمريكي التعاهدي لسنة 1783م والذي تحول بعد ذلك سنة 1778م إلى اتحاد فدرالي، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي سنة 1992م جميعهم لم ينصوا على كلمة كونفدرالي بشكل صريح ولم يقل أحد بأنهم اتحادات ليست كونفدرالية. وقال: إن الساحة الخليجية تشهد منذ فترة ليست ببعيدة حراكاً سياسياً صامتاَ على مستوى قادة دول مجلس التعاون الخليج حول تحول دول الخليج العربي الست من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وبالأمس القريب انتهت القمة التشاورية لقادة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في الرياض لمناقشة تقرير لجنة الخبراء المكلفة بدراسة مشروع إنشاء الاتحاد الخليجي، والتي لم يسفر عنها حسب ما تناقلته وسائل الإعلام إلا عن أن اللجنة عاكفة على دراسة التفاصيل الدقيقة لهذا الاتحاد حتى يخرج بصورته النهائية في الجلسة الاستثنائية التي سيدعى لها مجلس التعاون خلال الأشهر القليلة المقبلة دون أدنى معلومات. وبيّن د. بدر عادل أنه بالرغم من أن غالبية شعوب دول الخليج العربية تنتظر الإعلان عن هذا الاتحاد بفارغ الصبر لما لكلمة اتحاد من بالغ المعني والأثر في نفوسهم باعتبار أن دافعهم نحو الاتحاد هو إقامة كيان قوي يستطيع المحافظة على استقلاليتهم وحتى يتمكن الدفاع عن كيانهم، وخاصة أن عالم اليوم يتجه نحو إقامة تكتلات وكيانات كبرى لأن الدول الصغيرة لم تعد قادرة على مواجهة التحديات والأطماع الخارجية المتنامية ناهيك عن الأزمات المالية التي لم يعد ممكناً أن تعالجها الدول الصغيرة بمفردها ذات الموارد والأسواق الصغيرة. وأضاف أن “فكرة الاتحاد تجد صدى لدى شعوب الخليج بأطيافها الاجتماعية والسياسية، وإن كانوا يختلفون في شكل هذا الاتحاد فهو بمثابة طوق النجاة في مواجهة الأخطار المحدقة التي تداهم وجودهم وتقضي على كيانهم تجاه أي دولة أخرى قوية لا تستطيع بمفردها ردها، ومما يقوى هذا الدافع لدى هذه الدول المقومات مشتركة التي تحتم عليها أن تكون متحدة لا متفرقة أمام هذه الأخطار، والتي تتمثل في وحدة الدين واللغة والعادات والهوية والثقافة والمصير المشترك، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات لدى تلك الشعوب عن شكل هذه الاتحاد المزمع إنشاؤه ومدى قدرته عن تحقيق آمال وتطلعات شعوبها وفي ذات الوقت مدى قدرته على المحافظة على خصوصية كل دولة من دول الاتحاد وإرادة شعوبهم، وخصوصاً وأن التجارب العربية التي سبقتها انتهت بالفشل وذهبت مع الريح ابتدءاً من الاتحاد المركزي “الفدرالي” للمملكة الليبية مروراً باتحاد الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958م واتحاد الدول العربية المتحدة سنة 1958م، وأخيراً الاتحاد الثلاثي سنه 1963م، والإجابة على هذه التساؤلات تعتمد في المقام الأول على إرادة قادة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها في ضوء التحديات والتحولات التي تمر بها المنطقة، ولكن أمام الصمت الإعلامي وشح المعلومات لا نجد مفر من تحليل هذه التساؤلات وفقاً للمعطيات الموجودة. وأوضح أن ما اتخذه المجلس الأعلى لمجلس التعاون من قرارات في المجال العسكري منذ إنشائه تهدف إلى تعزيز الدفاع عن نفسها مجتمعة انطلاقاً من أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها مجتمعة، وأن أي خطر يهدد أحداها إنما يهددها جميعاً، وثمرة هذا التعاون هو إنشاء قوة درع الجزيرة، واتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون وغيرها من الاتفاقيات، فضلاً عن وجود هيئة سياسية عليا وهي المجلس الأعلى الذي يتخذ التوصيات مع احتفاظ كل دولة من هذه الدول بسيادتها الخارجية والداخلية. وتساءل د.بدر عادل “أي اتحاد تريد دول الخليج التحول إليه؟، أم أنها أدركت أن الاتحاد الكونفدرالي بهذا الشكل لا يحقق الهدف المنشود لضعفه أمام التحولات الجديدة كما أدركت من قبلها الولايات المتحدة الأمريكية فتحولت إلى الاتحاد الفدرالي سنه 1787م بعد أن ثبت ضعف الهيئة السياسية المشتركة للدول الأعضاء عن فرض إرادتها على الولايات في حدود اختصاصاتها كما هو الحال في دولنا الخليجية من عدم تنفيذ توصيات الهيئة السياسية العليا المشتركة، أم أنها تريد التحول إلى كونفدرالية متطورة على غرار الاتحاد الأوروبي تتمتع الهيئة السياسية العليا فيها بصلاحيات واسعة وحقيقية في شؤونها الدولية من إبرام معاهدات، وتمثيل سياسي وإعداد جيش دائم يدافع عن دول الاتحاد، وإعلان الحرب، وفي شؤونها الداخلية كسك العملة مع تعهد دول الاتحاد بالتزامها مقدماً بكل قرارات تصدر من هذه الهيئة ما دامت صادرة في حدود اختصاصها ولو كانت صادرة بالأغلبية المنصوص عليها في ميثاق الاتحاد، وتصبح لقراراتها الصفة الإلزامي تجاه جميع دول الاتحاد ومنها الدول التي لم توافق على تلك القرارات، وذلك حتى نتفادى الضعف والفشل الذي حدث في تجارب الاتحادات السابقة، فقوة الاتحاد في مدى إلزامية قراراته وليس في وجودة أو توصياته، وبذلك تكون هذه الدولة حققت لشعوبها ما تصبوا إليه وفي ذات الوقت حافظة على خصوصياتها”. وأضاف “ولكن ماذا عن إرادة تلك الشعوب تجاه إقامة الاتحاد فهل تنصهر إراداتها في إرادة حكامها أم يتعين العودة إلى إراداتهم باعتبار أن هذا الاتحاد سيمس البعض من سيادة دولهم وحقهم في تقرير مصيرهم، فحقيقةً أن تلك الدول تتمتع بدساتير ونظام أساسي خاص بهم يتعين العود إليه حتى نعي ما هي الأداة القانونية التي سيتم بها الانضمام إلى الاتحاد، فعلى سبيل المثال ما نصت عليه كل من المادة (70) من دستور دولة الكويت لسنة 1962م والمادة (37) من دستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002م، ونص المادة (68) من الدستور القطري الدائم لسنه 2004م، حيث أكدوا بما لا يدع مجالاً للشك وبصيغ متطابقة أن هذا النوع من الاتحادات يكون الموافقة عليها بقانون من الجهة المنوط بها القيام بالتشريع ولا يكون عبر الاستفتاءات كما يعتقد البعض فمعاهدات الصلح والتحالفات، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة كل من الدول الثلاث أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة، والمعاهدات التي تحمل خزانه الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديل لقوانين يجب نفاذها أن تصدر بقانون”. وأشار إلى أن من يقول عكس ذلك فهو أما أنه لا يقرأ أو لا يفهم فمع صراحة نصوص تلك الدساتير لا يجوز الاجتهاد، فالتعويل على ما حدث للدول الأوروبية من استفتاءات لبعض الدول للانضمام للاتحاد الأوروبي، فالأمر يعود لما هو منصوص عليه في دساتير تلك الدول التي تم استفتاء شعوبها وهو اختلاف مع الفارق وليس لديمقراطية تلك الدول، فأي إهدار لقيمة تلك النصوص هو إهدار لإرادة شعوبها التي توافقت عليها تحت أي مسمى كان عقدي أو استفتاء دستوري، فقيام الاتحاد الخليجي لا يتوقف إلا على إرادات قياداتها وبرلماناتها التي أودعت فيها الشعوب ثقتها وآمالها باعتبار أن العملية التشريعية وما تتضمنها من سن قوانين تتوقف على إراداتهم دون غيرهم، لذا فلا يجوز لأي دولة كانت أن تنادي بحق تقرير شعوب تلك الدولة في الانضمام للاتحاد الخليجي من عدمه وأياً كان شكل هذا الاتحاد.