كتب ـ حسين التتان:
باتت المشكلة الإسكانية في البحرين حديث الساعة، وليس هناك من بحريني لا يعاني ويعايش همّاً إسكانياً، ولهذا فإن السهام تُوجّه إلى صدر أكثر الوزارات الخدمية مسؤولية وهي “الإسكان”، وعلى عاتقها ضمان حق أصيل لكل بحريني، ألا وهو توفير “بيت العمر” وإنهاء سنوات من الانتظار والتنقل من منزل مستأجر لآخر.
المسألة باتت واضحة، والخلل سير العملية الإسكانية جلي وصريح، ويأتي هنا دور الصحافة والإعلام في الوقوف على مكامن هذا الخلل، وبيان أسبابه وسبل تلافيه.
ندع المواطنين يتحدثون بصراحة وبمطلق الحرية عن معاناتهم وآرائهم حيال دور وزارة الإسكان، لمعاينة حزمة الهموم والمشاكل، ودراستها والوقوف عليها وإعطائها وزناً تستحقه.
المواطنون والفعاليات الوطنية اتفقوا على رأي واحد، وحمّلوا المسؤولية مجتمعين على وزارة الإسكان، نظير إجراءاتها القديمة وعدم اتساقها مع الزيادة السكانية في المملكة، والطلب المتزايد على سكن العائلة.
أزمة الإسكان
ويقول النائب حسن الدوسري إن ما يعانيه البحرينيون في قضايا الإسكان ليست مشكلة بل أزمة، وأنها اليوم وبفعل عدم وجود استراتيجيات حقيقية لدى الوزارة، وصلت الأزمة إلى العمق وتجذرت، وحين تتحول المشكلة إلى أزمة حقيقية، فمن المفترض أن توجّه وتتكاتف الجهود لحلها وتلافي تداعياتها.
ويضيف “لا يمكن أن نلقي باللائمة على وزارة الإسكان فقط، فهناك جهات أخرى تتحمل المسؤولية، مثل وزارة المالية التي من المفترض أن تضخ موزنات أكبر مما تخصصه للإسكان حالياً، وتخصيص أراضٍ شاسعة للمشاريع الإسكانية تلبي الطلب المتزايد على المساكن، وهذا ما تتشارك مسؤوليته جهات حكومية ووزارات أخرى.
ويقترح الدوسري إنشاء مجلس أعلى للإسكان، يدرس الاستراتيجية ويضع الحلول، ويجب تخصيص الجزء الأكبر منه للمشاريع الإسكانية، مع اعتبار وصول عدد الطلبات الإسكانية حتى نهاية العام إلى 58 ألفاً، ما يعني اتساع الهوة بين العرض والطلب باستمرار.
ويعتقد الدوسري أن الحكومة لديها نوايا حقيقية لمعالجة الملف الإسكاني، وعدّ زيارة سمو رئيس الوزراء للمناطق المختلفة وحثه المتواصل بعدم تأخير المشاريع، دليلاً على جدية التوجه الحكومي لحلحلة الملف.
ولم يلم الدوسري وزير الإسكان الحالي، ولم يشكك بجهوده، وإنما دعاه لمضاعفة الجهود وتسخير الإمكانات لتقليص الهوة المتسعة بين العرض والطلب على الشقق والحدات السكنية وخفض سنوات الانتظار للحصول على منزل ملائم يأوي الأسرة.
ويرى أن مدد انتظار المواطن لفرصته الإسكانية طويلة وغير مبررة، وتصل في أحيانٍ كثيرة إلى 20 عاماً، وقال “5 أعوام فترة كافية لطالب الخدمة والجهة المنفذة”.
«الإسكان” مشكلة سببت أزمة وبلبلة بين المواطنين أنفسهم، وخلقت حالة من الحساسية، وخاصة بالنسبة لمشاريع إسكانية تأخذ طابع المناطقية، وهنا يقول الدوسري “يتحدث الناس بحساسية مفرطة عن المشاريع المناطقية، لماذا لا تُشيد الحكومة مشاريع مشابهة في المحافظات كافة درءاً للتهمة، ولو كانت هناك مشاريع إسكانية عامة، فإن الناس لن تفتش عن مشاريع بديلة هنا وهناك”.
وأضاف أن “هذه المشاريع الإسكانية تعتبر مشاريع امتداد للقرى، وأساس الفكرة أن الناس ممن فقدوا مناطقهم يعودون إليها عبر مشاريع امتداد القرى، لكن لو كانت هناك مشاريع عامة لما حصلت الإشكالية، ولما وجدنا من يتذمر من أصحاب الطلبات القديمة، أو من المواطنين الذين لا امتدادات لمناطقهم”.
الحالة الإنسانية حاضرة
ويقدم رئيس مجلس إدارة البيت العود نسيم عبدالرحمن أمين، نقداً لاذعاً لوزراء الإسكان ممن تسيدوا الوزارة طيلة العقود الماضية، وحمّلهم مسؤولية الأزمة الإسكانية المتفاقمة.
ويقول أمين “أزمة الإسكان في البحرين لها امتدادت وتفرعات عديدة، وعلى الدولة أن تختار أراضٍ كافية ومناسبة لبناء المشاريع الإسكانية عليها، وأن تمنع امتلاك أي فرد للأراضي المخصصة للنفع العام”.
ويؤكد أن وزراء الإسكان السابقين لم يطالبوا الدولة بتخصيص أراضٍ إسكانية كافية، بل كانوا دائماً ما يجاملون الحكومة، بينما كان يجب أن يقولوا لها، “إذا أردتِ أن نمضي قدماً في بناء البيوت الإسكانية، من المفترض أن تخصصي لنا موازنات عملاقة مع أراضٍ شاسعة، ولأن هذا لم يحدث، كان لهم دور بارز في الأزمة الإسكانية في وقتنا الراهن”.
ويضيف أمين “وزير الإسكان الحالي يحاول أن يطلق مشاريع جديدة وابتكار أفكار ورؤى جديدة، مثل البناء العمودي والبيوت الذكية، وهي مبادرات ليس بالضرورة أن تحل الأزمة، فالأزمة السكنية أكبر من أن تعالج بهذه الطريقة، القيادة اليوم أوصت الوزير الحمر بالعمل الجاد لمعالجة الإسكان، لكنه استلم الوزارة وكلها مشاكل ممن سبقوه”.
يؤكد أمين أن “الناس اليوم بدأوا يتململون من وضعهم السكني، وهناك حالات إنسانية صعبة للغاية يجب أن تنتبه إليها الدولة، حتى أن بعضهم يعيش مع أبنائه الذين تزوجوا وأنجبوا، وما زالوا ينتظرون منازل العمر من وزارة الإسكان، ثم يأتي بعدها من يقول لنا، لماذا يشتكي الناس من وزارة الإسكان؟”.
المحسوبية نموذجاً
ويقول المواطن هاني محسن عن الوضع الإسكاني “إن ما يعقد المشكلة الإسكانية اليوم، هو تفشي ظاهرة الواسطة والمحسوبية التي لا يمكن لأحد إنكارها، وأنا على يقين أن هناك من موظفي الإسكان من حصل على وحداتهم السكنية، في مدة لا تزيد عن 5 أعوام من الانتظار، بينما غيرها من وصل بهم الحال أن انتظروا لأكثر من 20 عاماً، وإلى يومنا لم يحصلوا على فرصتهم، ونطالب بلجنة برلمانية للتحقيق بالموضوع”.
يضيف محسن “نحن اليوم بأمس الحاجة إلى مسؤولين يتمتعون بجدية كبيرة وبصلاحيات مفتوحة، لكن شريطة أن يخضعوا لمراقبة وإشراف جهات رقابية شعبية منتخبة، مثل مجلس النواب والمجالس البلدية، ونفضل أن تتحول إدارة المشاريع الإسكانية إلى المجالس البلدية، وأن يكون اختصاص وزراة الإسكان فقط إنشاء المشاريع والإشارف على تنفيذها، لأنها ليست قريبة من الناس ومن الأسر البحرينية، ولو كانت كذلك لما وصل الحال ببعض الأسر إلى العيش في شقة صغيرة سنواتٍ طويلة”.
«الإسكان» مسؤولة
المواطن فيصل إسماعيل 29 عاماً يتحدث عن أداء وزارة الإسكان السيء، محملاً إياها مسؤولية التقصير الكامل، ويقول “يجب أن نعترف أن أداء وزارة الإسكان تعيس للغاية، وينم عن عدم تحملها مسؤولية توفير سكن للمواطن، وتطل كل يوم بتصاريح أكبر عشرات المرات من إنجازاتها على الأرض، وهي المسؤولة عن تفكك الأسرة البحرينية وبهدلة المواطن البحريني بين الشقق وآجاراتها المرتفعة، وكأن ما يعطى له من وحدة سكنية بالمجان، بينما يدفع المواطن ربع مرتبه طيلة حياته لأجل المنزل المنتظر الأشبه بالقرقور، وحين يضغط الناس في سبيل الحصول على حقهم المشروع في السكن، تظل الوزارة تبرر وتعلل وتخدع الناس بالتصريحات”.
ويناشد إسماعيل القيادة السياسية بالتدخل العاجل ورفع يد وزارة الإسكان عن كل المشاريع الإسكانية، بعد أن أثبتت فشلها الذريع في معالجته معالجة موفقة، وإسناد الملف إلى جهات أكثر فاعلية وصدق.
المواطن جميل إبراهيم عبدالوهاب 33 عاماً يؤكد أن المشكلة ليست بسبب ضعف أداء وزارة الإسكان بصورة كاملة، بل هناك جهات أخرى تتحمل المسؤولية، ويخص بالذكر الحكومة باعتبار بيدها الميزانية والأراضي. ويقول عبدالوهاب “رغم بناء وزارة الإسكان وحدات سكنية جديدة باستمرار، وتنفيذها عدة مشاريع لا تخفى عن كل مبصر، لكنها أيضاً تتحمل مسؤولية التأخير الحاصل بسبب عدم توفير الطلبات الكافية للإسكان، ومسؤولية تأخير المشاريع، ودليل ذلك المدينة الشمالية، حيث كان من المفترض توزيع دفعات منها هذه الأيام، وهي اليوم لم تدفن سوى أجزاء منها، هذا التلكؤ في المشاريع الإسكانية خلق نوعاً من التململ في أوساط المجتمع، والبعض بدأ يشعر باليأس والإحباط، لأنه لم يستطع أن يوفر لنفسه وعياله منزل العمر، والسبب هو أداء المسؤولين في وزارة الإسكان”.
شعارها التخبط
حين توجهنا للمجلس النيابي مرة أخرى، التقينا النائب عدنان المالكي الذي يحمل هموماً كثيرة وعتاباً أكبر، يلقيها على كاهل وزارة الإسكان.
ويقول المالكي “حين أتحدث معكم عن قضية الإسكان، فإني أتحدث معكم عن قضية شعب بأكمله، فكم من وزير تم تبديله بسبب ضعف أدائه أو لأسباب أخرى، وكلهم لم يكونوا يملكون خططاً واضحة وصريحة في تنفيذ المشاريع، ما يؤدي بالتالي إلى تأخيرها”.
ويضيف “وزارة الإسكان وزارة تسير من دون وجود استراتيجية واضحة لديها، وأنا ضد كل من يقول إن لا أموال ولا أراضي في عهدتها، فالدولة وفرت كل شيء بين يديها، لكن التقصير دائماً ما يكون من جهتها”.
ويرى المالكي أن الوزراء السابقون كان لهم دور في صناعة الأزمة السكنية، وأنهم كل يوم يطلون علينا بأمور غريبة وجديدة، كالبيوت الذكية والبناء العمودي الذي لا يتناسب ووضعية الأسرة البحرينية التي عرفت ببساطتها واختلاطها وطريقة اجتماعها، وتعودت عليه منذ القدم، حيث كانت الأسرة البحرينية متماسكة ويحتضنهم سور واحد، وتساءل “لماذا تريد وزارة الإسكان تحطيم النسيج الأسري القوي، عبر مشاريع وهمية وغير مناسبة؟”.
أما بخصوص توزيع الوحدات السكنية يقول المالكي “في الحقيقة ليس هناك اليوم من توزيع متساوٍ وعادل للوحدات السكنية، حتى أن أصحاب الطلبات القديمة ظلموا، وكأننا في دولة لها في كل منطقة قوانينها الإسكانية، والدليل أن بعضهم حصل على وحدة سكنية بعد 5 أعوام فقط، بينما هناك اليوم من وصلت سنين انتظاره أكثر من 20 عاماً، ولدي بعض الطلبات القديمة في مدينة عيسى مات أصحابها، ومازالت طلباتهم لم تلبى”.
وأوضح “عندنا في مدينة عيسى آباء لديهم أبناء كبار تزوجوا وهؤلاء أنجبوا أطفالاً كبروا، وهم ما زالوا ينتظرون دورهم في الإسكان، فهل بعد هذه المهزلة من مهزلة أكبر؟”.
ويرى المالكي أن هناك وجوهاً وطنية مخلصة قدمت مقترحات راقية لوزارة الإسكان لعلاج الإزمة السكنية في البحرين، لكن لا أحد كان يسمعها، كما إن وزارة الإسكان دائماً ما تعزل نفسها، لأنها لا تريد لها شركاء في حل الأزمة، ولا تشرك أحداً كالتجار والمقاولين البحرينيين.
ويؤكد المالكي أن المبالغ الممنوحة شهرياً للمنتظرين كبدل سكن، هي مبالغ ضائعة على كل حال، ولو أنها وظّفت لأجل مشاريع سكنية لكانت حلت جزءاً مهماً من الأزمة، وغياب وجود خطة واضحة لدى الوزارة يدفع ثمنها المواطن البسيط، والتخبط الذي تنتهجه الوزارة يجب أن ينتهي بخطة عملية قوية، وليس بتصريحات جوفاء تعتبر كإبر تخديرية فقط. أما عن دور النواب في هذا الشأن يقول المالكي “نحن كجهة تشريعية على استعداد تام لدعم وزارة الإسكان، والدفع باتجاه تطوير المشاريع فيها، لكن في اعتقادنا، أنه يجب على وزارة الإسكان أن تضع يدها بيدنا، وفي يد كل جهة تريد حل أزمة السكن”.
سياسة التسويف
الناشط السياسي رئيس مجلس بلدي المحرق سابقاً محمد حمادة يحدثنا عن أداء وزارة الإسكان “المشكلة برمتها تعود لأداء وزارة الإسكان وعملها الروتيني، وعدم تعاونها مع القطاعين الخاص والتجاري فيما يخص المشاريع السكنية، ويجب على الحكومة أن تُعطي فرصة للمقاولين البحرينيين للبناء، ومن ثم توزعها بنفسها”.
لا يستغرب حمادة حين تكون أعداد الطلبات تفوق 50 ألفاً، لأن الطلبات باتت هائلة مقابل ضعف المشاريع، وأن الوزارة كلما تعرضت للضغط الشعبي ووقعت في الإحراج، تخرج لتقول للناس إن لديها خططاً مستقبلية، و«هي ليس لديها أي خطة أصلا، فالمياة لا تعدو في كونها (طبطبة) على آلام الناس، فهناك في المحرق من صار له ينتظر بيت الإسكان أكثر من 20 عاماً، وفي نفس الوقت لديه أبناء متزوجون، وبهذا فإن الأب حصلت له مشكلة أخرى غير مشكلته، وهي مشكلة توفير منزل لأبنائه”.
ويقول حمادة “حين كنا في المجلس البلدي عام 2009 كان عدد طلبات الإسكان في المحرق 8 آلاف طلب إسكاني، وكان حينها مشروع الحد يغطي أكثر من نصف هذه الطلبات، ومع مشاريع امتداد قرى المحرق تكون كل الطلبات مستوفية، لكن مع ضعف أداء الإسكان، بلغت الطلبات اليوم أكثر من 9 آلاف بينما كان من المفترض أن ينزل سقفها لا أن يرتفع”.
يرى حمادة ومن خلال مخالطته المجتمع “أن الناس في البحرين متذمرة من أداء الوزارة، ومن شح الأراضي وضيق منازل الإسكان، فلو تم التسريع في مشروع الحد الإسكاني لحلت الأزمة اليوم، لكنهم للتو بدأوا بألفان وحدة فقط، وعليه متى سيكون البناء؟”.