تروي أروقة قصر بيرا التاريخي على ضفاف خليج القرن الذهبي في إسطنبول قصة علاقة عاصمة العثمانيين اجتماعياً وثقافياً مع الغرب والفن والحداثة، وتزخر بقصص الكتاب والمشاهير الذين أقاموا فيه، لاسيما ملكة الرواية البوليسية اغاتا كريستي التي يظن البعض أن «شبحها» مازال يسكنه.
وبني قصر بيرا في 1892 ليكون نزلاً مخصصاً لركاب قطار الشرق السريع «اورينت اكسبرس» الذي كان يتيح لأثرياء أوروبا القيام برحلة بالغة الفخامة من باريس إلى إسطنبول، المدينة التي كانت ترمز لسحر الشرق. وقد توقفت رحلات هذا القطار في 1976. ومازال القصر، وهو متحف وفندق، يحتفظ بأمتعة ومعدات كثيرة من حقبة قطار الشرق السريع، لاسيما تلك المقصورة المحمولة على الأيدي التي كانت تستخدم لنقل الركاب من المحطة إلى القصر المطل على الخليج وعلى المئات من المآذن والمباني التاريخية.
وقد رمم القصر مؤخراً بشكل كامل بكلفة تجاوزت 30 مليون دولار، وقد سلمت عائلة صابانجي الثرية التي تملك حق استثماره، إدارته إلى مجموعة جميرا الإماراتية.
ومن كنوز قصر بيرا أيضاً، مجموعة الفضيات الكاملة لقطار الشرق السريع، وأقدم مصعد كهربائي في تركيا، ومجموعة من اللوحات الإيطالية والفرنسية من عصر النهضة والعصر الكلاسيسكي، فضلاً عن مخطوطات ووثائق تتعلق بمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك الذي خصص الجناح الذي كان يتردد إليه في القصر كمتحف خاص به.
والقصر المبني على الطراز الفرنسي، يقع على مقربة من شارع استقلال الشهير وفي قلب حي بيوغلو الذي يعرف أيضاً بـ»أوروبا الصغرى»، إذ تنتشر فيه القنصليات الأوروبية التي بنيت بكثير من العظمة لتثبيت العلاقة مع السلطنة العثمانية.
ومازال قصر بيرا يحتضن أول مخبز حلويات فرنسية في السلطنة ويعد مقصداً للمجتمع الإسطنبولي الراقي، لاسيما حفلات الشاي الشهيرة.
وأقام في القصر نزلاء أسطوريون، مثل الممثلة غريتا غاربو التي كانت تلجأ إلى المكان هرباً من مصوري الباباراتزي، والكاتب ارنست همنغواي، والراقصة الهولندية ماتا هاري التي كانت عميلة لألمانيا في الحرب العالمية الأولى وأعدمت في فرنسا، فضلاً عن الملك إدوارد الثامن وعشرة ملوك آخرين بينهم سلطان زنجبار..
إلا أن القصة الأبرز التي تجعل من هذا القصر مكاناً مميزاً، هي قصة ارتباطه باغاتا كريستي وبلغز اختفائها في عشرينات القرن الماضي.
والغرفة التي يعتقد البعض أنها «مسكونة» هي الغرفة 411 من الفندق الذي كتبت فيه كريستي روايتها الشهيرة «جريمة على متن قطار الشرق السريع» (مردر اون ذي اورينت اكسبرس). في العام 1926، كانت كريستي زوجة شابة وتعيسة بسبب خيانة زوجها لها. وفي تلك السنة، اختفت الكاتبة طيلة 11 يوماً، وعثر عليها بعد ذلك فاقدة للذاكرة، ولم يعرف أحد قط أين كانت. وقد تطرقت هوليوود لهذا الاختفاء في فيلم «اغاثا» عام 1979، أي بعد ثلاث سنوات من وفاتها، وقد طلب منتجو الفيلم في شركة وورنر بروذرز من الوسيطة الروحانية الشهيرة في هوليوود تارا راند «الاتصال» بكريستي.
وادعت الوسيطة أنها حصلت من كريستي على جواب وهو أن الحل للغز اختفاء الكاتبة موجود في مخبأ سري تحت أرضية الغرفة 411 في قصر بيرا بإسطنبول.
وقدمت الوسيطة وصفاً دقيقاً للمكان الذي لم تزره قط، وأرسلت وورنز براذرز فريقاً ضخماً إلى إسطنبول وسط تغطية إعلامية مكثفة واهتمام عالمي بهذا اللغز.
وبالفعل، عثر الفريق تحت أرضية الغرفة على مفتاح قديم ما زاد من ذهول العالم. وعرضت شركة الإنتاج الأمريكية شراء المفتاح بمليوني دولار.
والمفترض أن هذا المفتاح بإمكانه فتح صندوق يحتوي على يوميات كريستي وجميع ألغازها، لاسيما لغز اختفائها عام 1926.
إلا أن الصندوق لم يتم العثور عليه قط، ومازال المفتاح في خزنة في إسطنبول واللغز معلقاً، وربما جوابه بين أروقة قصر بيرا.
ومنذ ذلك الحين يزعم البعض أن الغرفة 411 التي مازالت تحتوي على الآلة الكاتبة لكريستي، «مسكونة» بشبح ملكة الرواية البوليسية، أو على الأقل بأشباح التشويق اللامتناهي في رواياتها.