يقدم مركز البحرين الاجتماعي للإبداع في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، الذي افتتحته المؤسسة الخيرية الملكية رسمياً في 23 أغسطس الماضي، خدمة الدعم والعلاج النفسي لطلاب المركز العلمي البحريني المتضررين من الأحداث لعلاجهم من الصدمات النفسية الناتجة من الحروب والتخلص من الصور والأفكار المُرعبة التي انطبعت في أذهان الأطفال والمراهقين، وإرشاد أُسرهم لكيفية التعامل معهم ضد الصدمات النفسية في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها ولتفادي المشكلات النفسية المستقبلية.
وتعمل المؤسسة الخيرية الملكية حسب توجيهات جلالة الملك المفدى لتكون البلسم الذي يوضع على جروح المحتاجين، فجلالته حريص على أن تكون البحرين سباقة ومتميزة في تقديم المساعدات التنموية لتخفف المصاب الأليم الذي حل بالدول الشقيقة، وتعمل المؤسسة بقيادة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة رئيس مجلس الأمناء على تنفيذ هذه التوجيهات الملكية السامية بمد يد العون للأشقاء.
وبعد زيارة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة لافتتاح مجمع البحرين العلمي للطلاب اللاجئين السوريين بمخيم الزعتري وشعر عن قرب بمعاناة الأطفال ومشاعرهم وأحاسيسهم وتلمس احتياجاتهم، أصدر سموه توجيهاته ببناء مركز إرشاد نفسي للطلاب للتخفيف من أعراض الصدمة التي يتعرضون لها جراء الحروب والمواقف الصعبة التي تمر بهم، ولتفادي تفاقم المشكلات النفسية لدى الطلاب.
ومن هنا باشرت المؤسسة الخيرية الملكية تنفيذ هذه التوجيهات، حيث بادر الأمين العام للمؤسسة د.مصطفى السيد بتنفيذ توجيهات سموه والبدء في إنشاء مشروع مركز الإرشاد النفسي في المخيم بالتنسيق مع مركز الإرشاد النفسي والصحي التابع للمؤسسة الخيرية الملكية.
تلبية احتياجات الطلاب
وبدأت الاستعدادات والترتيبات بشكل مسبق، وفي هذا الجانب تقول رئيس مركز الإرشاد النفسي بالمؤسسة الخيرية الملكية أمينة آل بن علي: أقمنا عدة زيارات مسبقة إلى مخيم الزعتري وتحديداً إلى مجمع البحرين العلمي، والتقينا بعدد من المسؤولين المعنيين بالمجمع في الزعتري ووزارة التربية والتعليم الأردنية، للتحضير لتقديم برامج علمية في الإرشاد النفسي والتعرف على أهم المشكلات التي يعاني منها الطلبة وإدراجها ضمن خطط البرامج الإرشادية، كما تم الاطلاع على سير عمل المجمع والتعرف على أعداد الطلبة والمناهج التي تدرس، والتجهيزات المتوفرة تمهيداً لتنفيذ البرامج الإرشادية النفسية للطلبة.
وأضافت: وقدم مركز الإرشاد النفسي بالمؤسسة الخيرية الملكية عدداً من البرامج هناك قبل الافتتاح الرسمي للمركز وذلك للوقوف على احتياجات الطلاب، وهدفت هذه البرامج إلى رسم الابتسامة والفرح في نفوس الطلاب، وتنمية التفكير الإيجابي في مواجهة المشكلات والأزمات، إلى جانب تدريب الطلاب على مجموعة من المهارات النفسية والاجتماعية التي تساعد في التعبير عن المشاعر والتفريغ الانفعالي، وتشكيل جماعات دعم ومساندة بما يساعد في التعامل مع الفقد بطريقة أكثر إيجابية وتقوية الصلابة النفسية، إضافة إلى مساعدة الطلاب في بناء معنى إيجابي عن الحياة والتأكيد على أهمية الإحساس بالأمل والمستقبل الأفضل.
وأشارت آل بن علي إلى أن هذه اللقاءات بينت أن غالبية الطلاب يعانون من أعراض الصدمة ممثلة بالذكريات الأليمة والصورة الذهنية المقحمة والكوابيس والحزن على فقدان الأقارب والأصدقاء والشعور بالخوف من تكرار الحدث الصدمي والفزع الليلي والشعور بالقلق وغيرها من الأعراض، كما إن أغلب الطلبة لديهم حس إيماني عميق، إذ تعتلي أصواتهم بالأناشيد الوطنية التي تدعو إلى الجهاد وتلبية نداء الله والدفاع عن الشرف والكرامة والبعض يتمنى أن يحفظ القرآن.
التأثير الإيجابي
وبينت أن هذه البرامج ساعدت الطلاب في خلق الأمل لديهم عبر جعل أحلامهم وآمالهم قابلة للتحقيق، كما ساهمت في إدخال شعور السعادة والفرح إليهم عبر تمارين الاسترخاء التخيلي، كما ساعدتهم في زيادة الشعور بالأهمية الذاتية والرفع من مستوى تقدير الذات وشعر كل طالب بأنه شخص مهم وأن الله سبحانه وتعالى هو من أعطاه هذه الأهمية وأن عليه أن يستغل إمكاناته وقدراته حتى يبرز هذه الأهمية ويرفعها، وساهمت في رسم البسمة والبهجة على وجوههم، ونجح برنامج الدعم النفسي في مساعدة الطلاب على التفريغ الانفعالي لما يعانونه من مشاعر حزينة وخبرات مؤلمة، وقد عبر الطلاب عن شعورهم بالارتياح والسعادة لوجود من يسمع لمعاناتهم ومن يخفف عنهم آلامهم، وتمكن من مساعدتهم في تعديل بعض أفكارهم السلبية والتي هي مصدر شعورهم السلبي وتدريبهم على التفكير الإيجابي وكيفية النظر إلى النتائج الإيجابية لأي مشكلة أو خبرة سلبية قد يتعرض لها الإنسان.
وأوضحت رئيسة مركز الإرشاد النفسي أنه اتضح من هذه اللقاءات وجود حاجة ملحة لوضع برنامج للإرشاد الجمعي لطلاب المرحلة الإعدادية، والحاجة لتدريب الأخصائيين على استراتيجيات التعامل مع الصدمات النفسية الحادة مثل تقنية «EMDR» العلاج بحركة العين، ليتسنى تطبيقها في المستقبل.
وقالت آل بن علي إن مركز البحرين الاجتماعي للإبداع أخذ بهذه النقاط وتم التجهيز له وافتتح رسمياً في 23 أغسطس الماضي، ويهدف إلى تقديم خدمة الدعم والعلاج النفسي لطلاب المركز العلمي البحريني المتضررين من الأحداث لعلاجهم من الصدمات النفسية الناتجة من الحروب وللتخلص من الصور والأفكار المُرعبة التي انطبعت في أذهان الأطفال والمراهقين، وإرشاد أُسرهم لكيفية التعامل معهم ضد الصدمات النفسية في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها ولتفادي المشاكل النفسية المستقبلية، ويتكون المركز من 5 كبائن 3 كبائن للإرشاد النفسي الفردي وكبينة غرفة إرشاد باللعب للأطفال وكبينة للإرشاد الجمعي للمراهقين وساحة لعب للأطفال، ويوجه خدماته للأطفال في المرحلة الابتدائية والإعدادية.
لقاءات إرشادية
وكان وفد الخيرية الملكية قد قدم عدداً من اللقاءات بهدف مساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم والتنفيس عن انفعالاتهم والتخفيف من حدة الضغوط نظير الظروف النفسية الصعبة التي يعيشونها بسبب الهجرة وعدم الاستقرار، حيث قدم المركز مجموعة من اللقاءات والورش النفسية لطلاب الزعتري استفاد منها ما يقارب من 400 طالب وطالبة في المرحلة الإعدادية والثانوية و250 طالباً وطالبة في المرحلة الابتدائية.
وقدم اختصاصي الإرشاد النفسي بالمؤسسة سامي المحجوب لقاء بعنوان «بناء الذات»، استهدف فيه طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية، وهدف إلى زيادة الشعور بالأهمية الذاتية ورفع مستوى تقدير الذات والتعبير والتنفيس عن المشاعر والخبرات المؤلمة والاعتراف بوجودها كخطوة أولى للتخلص منها و تعديل الأفكار السلبية المرتبطة، إلى جانب رفع الروح المعنوية والشعور بالأمل والمستقبل الأفضل، وتضمن اللقاء مجموعة من الأنشطة الهادفة مثل تمرين تطيق المشاعر وتمرين الاسترخاء التخيلي الذي تخيل به الطلاب أنفسهم إلى زمن حلت فيه الأزمة الحالية وتمسكهم بالمشاعر الإيجابية الناجمة عن العودة إلى بلدهم ومنزلهم باعتبار أن الأزمة انتهت، ثم جلب هذه المشاعر الإيجابية إلى الزمن الحاضر والتمسك بها، أيضاً تضمن اللقاء تطبيق تمرين (المرآة) والذي أدى إلى رفع الشعور بالأهمية الذاتية، إضافة إلى تدريب الطلاب على مهارات تأكيد الذات اللفظية والجسدية. كما قدم المحجوب اللقاء الإرشادي (النجوم) والذي استهدف المرحلة الابتدائية وهدف إلى مساعدة الطلاب على التفكير الإيجابي بما يمرون به من مشكلات وأزمات ويتلخص لقاء النجوم بقصة النجم الصغير الذي يسعى إلى أن يزيد من ضيائه وبريقه إلا انه يتعرض لمجموعة من المشكلات فتأتي إليه مجموعة من الشهب الظالمة وتقتل صديقة وتجبره على ترك بلده ومنزلة والذهاب إلى مسكن آخر غير ملائم وغير مناسب ولم يشعر بالارتياح فيأتي إليه نجم كبير يساعده على التخلص من مشاعر الحزن والإحباط ويعيد له تفكيره بشكل إيجابي ويذكره بأهميته ويعيد له الأمل مرة أخرى وقد تضمن اللقاء مجموعة من التمارين الهادفة مثل تمرين (تحويل السلبي إلى إيجابي) والذي هدف إلى تعلم التفكير الإيجابي من خلال ذكر النتائج الإيجابية لمجموعة من الخبرات السلبية التي قد يتعرض لها الإنسان. كما تضمن اللقاء تمرين (البالون) والذي هدف إلى مساعدة الطلاب على التخلص من الخوف من خلال معايشة خبرة الخوف بشكل تخيلي والذهاب بهذا البالون إلى المكان المفضل وأخذ الأشخاص الذين يرغب الطالب بمرافقتهم معه، كما تم خلال اللقاء خلق التحفيز الذاتي لدى الطلاب ورفع الروح المعنوية والسماح لهم بالتعبير عن تطلعاتهم وآمالهم من خلال تطبيق تمرين (أحلامي).
وعقد سامي المحجوب كذلك لقاء الإرشاد الجمعي لمجموعة من طلاب المرحلة الإعدادية وقد تبين خلال اللقاء أن غالبية الطلاب يعانون من أعراض ما بعد الصدمة. كما قدم الاختصاصي النفسي عبدالرحمن النهام ورشة بناء الثقة بالنفس وماهيتها والتعرف على كيفية النظر للنفس والتي تهدف إلى رفع مستوى الثقة بالنفس والنظرة الإيجابية للذات كما تخللت مجموعة من الأنشطة التدعيمية كما ركزت لاقي اللقاءات على طريقة التعبير عن مشاعرهم والتفريق بين الانفعالات عن طريق التعرف عليها من خلال رسم الوجوه.
ومن جانبه قدم اختصاصي الإرشاد النفسي بالمؤسسة عبدالرحمن النهام لقاء نفسياً بعنوان «قطار المرح والتعلم» عبارة عن فكرة تخيلية تمكن الطلاب من فهم ووعي بعض الجوانب النفسية والانفعالية وتشجعهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطريقة بناءة من خلال ركوب قطار يتوقف عند عدد من المحطات وفي كل محطة يتوقف فيها هذا القطار يتعلم الطفل فكرة إيجابية وتتمثل هذه المحطات في المحطة الأولى وهي المشاعر، حيث يتعلم الطفل كيف يبوح بمشاعره للأشخاص الآخرين فشعور الطفل بأنه يعيش في مخيم للاجئين يجعله يشعر بالإحباط وبأنه غير مرغوب في وطنه وبالتالي فإن تشجيع الطفل على الحديث عن مشاعره يطلق الشحنات المكبوتة في ذاته، وفي المحطة الثانية يتعلم الطفل كيفية التخلص من الأفكار السلبية التي تجعله يشعر بالحزن على فقد شخص أو بسبب التهجير وتحويلها إلى أفكار إيجابية من خلال الثقة بالنفس ويعبر عن أفكاره بطريقة بناءة كممارسة الرياضة أو الرسم أو الحديث مع الشخص المقرب، وفي المحطة الثالثة تعليم حب المهنة، حيث يتعلم الطفل أن المهنة هي أسلوب وطريقة إيجابية للحياة وللأطفال أحلامهم في اختيار مهنة المستقبل عن طريق تطبيق نشاط «مهنتي» حيث يسهم النشاط في إعطاء ثقة للطفل على الإنجاز والاستماع لأفكاره وأمنياته وتشجيعه على النظر للحياة بإيجابية.
وعبر طلاب مجمع البحرين العلمي بمخيم الزعتري عن ارتياحهم وسعادتهم بهذه اللقاءات، وما تضمنته من تمارين ساعدتهم في التعبير والتنفيس والإحساس بالتفاؤل والأمل والمستقبل الأفضل.
فتقول الطالبة كفاح إن المركز ساعدها في استعادة الثقة بنفسها بشكل أكبر، ودعم نفسيتها، كما عرفت أن إبداءها للرأي له أهمية كبيرة، وتقول الطالبة ردينة عصام: استفدت من معرفة الكثير من الأمور عبر قصة النجم، وعرفت بعض الأمور المهمة في كلامي وأسلوبي وإلقائي.
أما الطالبة فاطمة زياد فتعبر عن سعادتها بمشاركتها في المركز وتقول: إنه يوم جميل شعرت فيه بالسعادة، واستفدت كثيراً في ألا أفكر بالمشكلة وألا أبتعد عن أصدقائي وبلدي. وتشير الطالبة بتول عدنان أنها تعلمت أن تكون إيجابية وتبتعد عن السلبية، كما تعلمت أن لها دوراً مهماً عند أهلها وأنها تعني لهم الكثير.